رئيس تحرير صحيفة الإمارات اليوم
لا مانع أبداً من أن تسعى الشركات العقارية، سواء كانت شبه حكومية أو خاصة لتحقيق الأرباح، لا عيب في ذلك فهي شركات ربحية قائمة على هذا الأساس، لذلك فإن جميع المشروعات التي تنفذها هذه الشركات مبنية على العمليات الحسابية والأرقام المجردة، بمعنى سعر التكلفة الذي يحدد سعر البيع للوصول إلى معادلة الربح، وبالتأكيد لا توجد أية حسابات أخرى خارج فلك الأرقام!
هذه الشركات تتنافس بشدة لتسويق منتجاتها من الوحدات السكنية، وتتنافس في الفخامة والرفاهية والتصاميم المميزة والخدمات والمرافق لاستقطاب المستثمرين والزبائن، وهذا حق مشروع لها، لا يمكننا إنكاره، كما لا يمكننا إنكار ظهور الكثير والكثير من المجمعات السكنية والأبراج السكنية الراقية جداً، والمميزة جداً، التي أسهمت في رفع مستوى التصاميم المعمارية في الدولة، وجعلت دبي واحدة من أجمل مدن العالم، وهذا إنجاز إيجابي جيد يُحسب لهذه الشركات.
ويبدو أن التنافس بين الشركات جعلها تحصر نشاطاتها لاستهداف فئة معينة، هذه الفئة هي المستثمرون ورجال الأعمال وأصحاب الدخول المرتفعة القادرون على الحصول على تسهيلات وتمويلات بنكية لشراء الشقق أو الفلل الفاخرة، ومعظم هؤلاء ليسوا المُستخدم الأخير لهذه الوحدات السكنية، فهم يعيدون تأجيرها أو بيعها، ولذلك فإن نوعية معظم المشروعات العقارية، سواء المُنجزة أو التي أُعلن عنها ولم تنجز بعد، تسير جميعها في فلك متشابه ضمن فئة واحدة، هي فئة السكن الفاخر لاستقطاب هذه الفئة.
هذا الوضع لا يُعتبر خطأ في عمل كل شركة منفردة، ففي نهاية الأمر كل منها لديها أهدافها، وحساباتها الخاصة، وحسابات المنافسة، وسعر البيع المُريح، وتوقعات العرض والطلب وفقاً لمؤشرات كل شركة، لكن ذلك دون شك يؤثر في المخططات العامة للمدينة، وخططها الإسكانية والسكانية واستراتيجياتها المستقبلية المتعلقة بالسكان والإسكان.
وهذا الوضع نجم عنه غياب فئات المجتمع الأخرى من أصحاب الدخول المتوسطة عن خطط واستراتيجيات الشركات العقارية، في حين أنهم يمثلون الأغلبية في المدينة، كما نجم عنه ارتفاع القيمة الإيجارية لأغلبية المشروعات الإسكانية المُنجزة من قبل الشركات العقارية عند إعادة تأجيرها من المستثمرين، نظراً إلى ارتفاع أسعارها الأصلية وفقاً لمواصفاتها وفئتها!
ونتيجة لذلك، فإن مبرر مئات الآلاف من المقيمين والموظفين في دبي للتوجه إلى الإمارات الأخرى، طلباً لوحدات سكنية أرخص مما هو معروض في دبي أمر منطقي وطبيعي، في ظل ندرة وجود المشروعات التي تستهدفهم من معظم الشركات العقارية، إن لم نقل جميعها!
وهذا سبب رئيس للازدحامات والاختناقات المرورية، التي جعلت مدينة دبي تحت ضغط مروري يومي يصل حجمه إلى مليون ونصف المليون سيارة إضافية تدخل صباحاً في ساعات معينة، وتغادر مساء أيضاً في ساعات محددة، وجميعها تذهب وترجع في اتجاه طولي واحد، نحو هدف واحد!
ولعل التنسيق بين هذه الشركات في ما بينها، ووجود مجلس، أو لجنة مشتركة، يجمع في عضويته ممثلين عن جميع الشركات العقارية شبه الحكومية والخاصة، وجميع المطوّرين العقاريين الكبار، مع ممثلين عن الجهات الحكومية الرئيسة لتنسيق الخطط والاستراتيجيات الحالية والمستقبلية، ووضع مخطط عام تسير عليه هذه الشركات من حيث العرض والطلب، ونوعية المعروض، ودراسة كل المتغيرات والتأثيرات في تفاصيل خطط وحركة المدينة، من دون الدخول في تفاصيل عمل الشركات أو التأثير في تنافسيتها، كلها أمور باتت ضرورية لإحداث التوازن المطلوب سكانياً وعقارياً.
وجود هذا المجلس أو هذه اللجنة سيحل الكثير من المشكلات الخاصة بغياب التنسيق، كما أنه سيحوّل توجه الشركات العقارية إلى صيغة العمل التكاملي، بدلاً من أن تعمل كل شركة بمعزل عن الأخرى، وتحيط أعمالها ومشروعاتها بسرية تامة، ثم بعد الإعلان عن المشروعات تبدأ عمليات «الكوبي بيست»، التي تؤدي إلى شبه إغراق للسوق بعد زيادة المعروض!
المصدر: الإمارات اليوم