كاتبة سعودية
في كتاب بعنوان “الإرهابيون على الطاولة: لماذا المفاوضات هي الطريق الوحيد للسلام “لجوناثان باول، وهو مستشار رئاسة الحكومة البريطانية منذ فترة توني بلير حتى ديفيد كاميرون، لا سيما في شؤون الإرهاب والمفاوضات. يعتقد باول بأهمية فتح قنوات حوار مع الجماعات الإرهابية، ومن بينهما “داعش” و”القاعدة”، وذلك بناء على خبرة سابقة له، يقول “إن جميع حكومات العالم تصر على أنها لن تفاوض الإرهابيين ولكنها تفعل في نهاية الأمر، كل مرة نواجه بجماعة إرهابية نقول هؤلاء مختلفون لا يمكن التحدث معهم، لكن أفضل وسيلة هي فتح قناة للفهم فالمواجهة بالقوة لا تكفي”. كما نشرت مجلة “نيوزويك” الأمريكية تقريرا قبل أيام تناولت فيه المحادثات مع “داعش” كخيار.
يتفق مع باول الجنرال ديفيد بتريوس أن أمريكا “تأخرت كثيرا جدا في بدء محادثات مع الإرهابيين وذلك لأن أيديهم ملطخة بدم الأمريكيين، تأخرنا لأنه كانت هناك بعض الاعتقادات بأن الفكرة تنطوي على خطورة، لكن الخبرة تقول إن الخطورة تكمن في عدم التحدث معهم”. يحمل الرأي ذاته كل من ولي نصر، وبارنيت روبين، والأخير مسؤول سابق في الخارجية الأمريكية، إلا أن نصر يعتقد “ليس كل الجماعات الإرهابية مستعدة للحوار”. وقد تشابهت الآراء مع ما قاله الرئيس أوباما الشهر الفائت بأن الولايات المتحدة “لن تقدم تنازلات للجماعات الإرهابية لكنها مستعدة للنقاش معهم”. وهنا يبدو أن أوباما يضع فكرة الحوار مع الجماعات الإرهابية كـ “داعش” و”القاعدة”، وفكرة الحوار مع النظام السوري أو حتى “حماس” وحزب الله في سلة واحدة. وهذه سياسة صريحة مختلفة عن السياسة التقليدية الأمريكية في مواجهة الإرهابيين، وإن كانت هناك مفاوضات سابقة غير معلنة.
ربما يشرح الأمر فكرة الاختلاف بين الفهم الغربي وبين فهمنا المحلي الخاص، وربما الأعمق للجماعات الإرهابية خاصتنا وطبيعة تفكيرها، هي التي خرجت من بيننا وتحمل الجذور الاجتماعية والفكرية المحلية. تبدو الفكرة ساذجة نوعا ما لو قرأناها هكذا، فما الذي يمكن أن تبدأ به محادثات مع “داعش” مثلا، متطلباتهم؟ شؤون الخلافة؟. “داعش” بطبيعة الحال في فترة صعود، ويتطلب الأمر سحقها وتفكيكها أولا. ولربما حينها للأمر شأن آخر. والقلق الأكبر يكمن في أن فكرة التفاوض هذه قد تُفهم أنها تشرعن الإرهاب والعنف، لا سيما أن العقلية المحلية لإرهابيي المنطقة تحديدا ستنظر إلى أي تفاوض سياسي بأنه ضعف ورضوخ، وقد تُحدث نوعا من الخلط في الفهم لدى الطرف المقابل، وقد تشجع على المزيد من التمرد والإرهاب، وبأن الأمور قد أتت أكلها.
من ناحية أخرى، تبقى فرضية اعتبار هذا الطرح محاولة مختلفة لفهم “داعش” ولهزيمتها ومحاولة إسقاط ذلك على الأزمات المختلفة في المنطقة منذ غزو العراق وما بعدها، ما يمكّن من صنع استراتيجية أكثر يقينا وبما هو أبعد من أفكار “داعش” الأيديولوجية، بناء على التجارب السابقة في عهد بوش الابن. في 2004، قام تنظيم القاعدة بحشد السنّة الناقمين على الاحتلال الأمريكي، واستخدموا متفجرات وانتحاريين ضد كل من الشيعة والقوات الأمريكية. لكن أمريكا لم تفاوض قيادي التنظيم أبو مصعب الزرقاوي، بل عوضا عن ذلك خططت لإبرام اتفاق مع القبائل السنية نفسها تلك التي دعمت هذا التمرد في البداية، لكنها تعبت لاحقا من وحشية “القاعدة”، ونتج عن هذه الاتفاقية إخراج جماعة الزرقاوي من البلد.أما كيف ستسير الأمور الآن، لنر ما تسفر عنه الأحداث من تطورات، لربما نحن أمام فصول جديدة قادمة.
المصدر: الاقتصادية