الشيب المبكر: سوء تغذية وضغوط نفسية وهرمونات ووراثة

منوعات

عندما نقترب من مشارف الشيخوخة يبدأ الشعر الأبيض بغزو رؤوسنا، والجميع تقريباً يتقبل هذا الأمر لأن ظهوره يعتبر عملية فيزيولوجية طبيعية، ينذر ببدء مرحلة عمرية جديدة، ويضفي مظهراً من الاتزان والوقار.

إن الشعر في الأصل لونه أبيض، لكن وجود صبغة الميلانين في بصلة الشعر هي التي تعطيه اللون، إنما مع التقدم في السن يقل إفراز هذه الصبغة فيبدأ الشعر الأبيض في الظهور.

وتأخذ جحافل الشعر الأبيض في التقدم تدريجاً بعد الثلاثين أو الأربعين من العمر، ففي البداية نراه في السوالف وعلى جانبي الرأس، ومن ثم يمتد إلى مقدمة الرأس، ليصل بعدها إلى اللحية والشوارب.

لكن المشكلة الكبرى في الشيب هي عندما يزحف إلى الرأس قبل الأوان، أي في سن الشباب، خصوصاً عندما يحل هذا الضيف الغليظ على حين غرة، لا بل إن البعض يبدي فزعه الدائم منه، كحال الشاعر الشريف الرضي في قوله:

غالطوني عن المشيب وقالوا

لا تُرَع إنه جلاء حسام

قلت ما أمن من على الرأس منه

صارم الحد في يد الأيام

إن الشـيب المـبكر يعـتبر كابوساً حقيقياً لشريحة واسـعة من الـشـباب من كلا الجنسين، وتشير التحريات إلـى أنه يطاول النسـاء أكـثر من الرجال، ربما لتـأثـير العـوامل الخارجية، مـثل شـد الشـعر وتصفيفه واستخدام المواد الكيماوية.

وهناك حالات حدث فيها الشيب في شكل صاعق، ويقال أن الملكة الفرنسية أنطوانيت وقعت ضحية هذا النوع من الشيب بين ليلة وضحاها، وعلى وجه الدقة في الليلة التي سبقت موعد إعدامها، لكن البعض شكك في حدوث هذا الأمر لأن أحداً لم ير شعر الملكة الحقيقي من قبل. حتى الآن لا أحد يملك التفسير الفعلي للشيب المبكر، إلا أن العلماء أجمعوا على مجموعة من العوامل، هي:

– الوراثة، لا شك أن للوراثة دوراً في آلية وقوع الشيب المبكر، بل إنها تلعب الدور الأكبر في حصوله، فعلى ما يبدو أن هناك خللاً جينياً لدى أحد الأبوين أو كليهما يساهم في إيقاف إفراز صبغة الميلانين الملونة للشعر، ويورث هذا الخلل للأبناء.

– الضغوط النفسية، إن الخوف الشديد، والإجهاد، والصدمات العصبية الحادة، والانفعالات العنيفة، تساهم في إطلاق شرارة الشيب المبكر. وعلى هذا الصعيد أظهرت دراسة علمية حديثة قام بها الدكتور محسن سليمان أستاذ الأمراض الجلدية في طب قصر العيني بمصر، أن القلق والتوتر والضغوط النفسية تؤدي إلى الشيب المبكر للجنسين، خصوصاً الذين لم تتعد أعمارهم العشرين، وأن هذه الظاهرة لم تكن موجودة قبل ثلاثة أو أربعة أجيال. وتؤكد الدراسة أن العيش تحت شلال من التوترات النفسية والعصبية يعمل على ظهور بعض الشعر أو خصل بيضاء في شعر الرأس، لكنه في حالات نادرة، وتحت شـدة الصدمات النفسية القوية، قد يظهر الشيب فجأة ليشمل معظم فروة الرأس، وقد تم تفسير هذه الظاهرة بالشلل الذي يطاول الخلايا المفرزة للصبغة الملونة للشعر بتأثير الظروف الضاغطة فتتوقف هذه عن قيامها بعملها الأساس المرتبط بطرح المادة التي تلون الشعر.

– سوء التغذية، المعروف أن بصلات الشعر تحتاج إلى الكثير من العناصر الغذائية الضرورية، خصوصاً الزنك، والحديد، والنحاس، والكبريت، وفيتامينات المجموعة ب، فنقص واحد أو أكثر من هذه العناصر يمكن أن يعجل بحدوث الشيب المبكر. إن الحياة العصرية التي يلجأ فيها الناس إلى المآكل السريعة تساهم إلى حد بعيد في حدوث سوء التغذية، فهذه المآكل تتألف، في شكل رئيسي، من الأغذية المصفاة الفقيرة بالفيتامينات والمعادن التي يعتبر وجودها بكميات كافية أساسياً من أجل ضمان صحة مكونات الشعر.

– عوامل هرمونية، وهي تعجل من وتيرة حدوث الشيب المبكر، كما الحال في نقص إفرازات الغدة النخامية في قاع الدماغ.

– الإسراف في استخدام المواد الكيماوية، إن خلايا جسم الإنسان تتعرض إلى كم هائل من المواد الكيماوية التي يمكنها أن تؤثر على دورة نمو الشعر، خصوصاً على بصلات الشعر التي تفرز المادة الملونة.

– تلوث الغذاء والبيئة، وهذا التلوث الذي بات يضرب كل نواحي الحياة أصبح يشكل عبئاً على كل أعضاء الجسم، بما فيها الشعر الذي يمكن أن يفقد لونه في شكل مبكر.

– أمراض عضوية تستطيع أن تهيء الظروف المناسبة للشيب المبكر، ومن هذه نذكر الأمراض المترافقة مع الحمى، وأمراض جهاز الهضم، وبعض أمراض الغدة الدرقية، والالتهابات المتكررة في اللوزتين واللثة والأسنان، وداء الثعلبة، ومرض البهاق.

– التدخين، فقد كشفت دراسة بريطانية أن المدخنين أكثر تعرضاً للشيب المبكر أربع مرات مقارنة بغير المدخنين.

وقد يظهر الشيب قبل البلوغ أو بعد ذلك نتيجة ظروف معينة. كما أن بعض حالات الشيب المبكر تكون موقتة، إذ قد تعاود الخلايا الملونة نشاطها مرة أخرى بعد زوال المؤثر، وبالتالي يعود لون الشعر إلى وضعه العادي.

وحتى الأطفال لا يسلمون من رؤية الشعر الأبيض على رؤوسهم، فيصاب الأهل بالهلع عندما يواجهون هذه الظاهرة التي يلقي العلماء اللوم في حدوثها على سوء التغذية، خصوصاً نقص معدن الزنك والمواد البروتينية، لذا يوصي الباحثون الأهل بأن يتناول أولادهم وجبات تؤمن لهم كميات كافية من المعادن خصوصاً الزنك الذي يتوافر في اللحوم، والبيض، ومنتجات الألبان، والحبوب الكاملة، والمأكولات البحرية، والبقوليات، والمكسرات.

نصل الآن إلى السؤال الآتي: ما العمل لمواجهة الشيب المبكر؟

إن الخطوات الآتية يمكن أن يكون لها صدى في مواجهة الشيب المبكر:

1- إزالة العوامل المشتبه في تورطها في الشيب المبكر، مثل الأمراض، والتلوث، وسوء التغذية وغيرها.

2- الاهتمام بالصحة العامة.

3- تأمين تغذية جيدة ومتوازنة تؤمن لبصلات الشعر كل ما تحتاجه من أجل ضمان تدفق المادة الصبغية الملونة للشعر.

4- علاج الأمراض، ومكافحة البؤر الالتهابية، وتصحيح الاضطرابات الهرمونية للغدد الصماء، خصوصاً الغدة النخامية والغدة الدرقية.

5- تأمين الاستقرار النفسي الذي يعتبر حجر الزاوية في منع ظهور الشيب المبكر.

6- هناك دراسات تنصح بأخذ شوط طويل من فيــتامينات المجموعة ب.

بصلات الشعر

تتألف الشعرة من ثلاثة أجزاء رئيسة، هي: الساق، والجراب، والبصلة، والأخيرة عبارة عن نتوء على شكل كوب يتوارى في أعماق الطبقة الدهنية لفروة الرأس، ويغذي البصلة شبكة من الأوعية الدموية. ويوجد مصنع تلوين الشعر في قلب بصلات الشعر، وهو يتألف من خلايا صباغية اسمها الميلانوسايت هي التي تعطي الألوان المختلفة للشعر.

وعندما يتراجع إفراز المادة الصبغية الملونة (الميلانين) يخف لون الشعر، وشيئاً فشيئاً يتوقف المصنع عن العمل فيبيض الشعر، أي يحصل الشيب، الذي تتباين فترة وقوعه من شخص على آخر، تبعاً للعوامل الوراثية.

وتحتوي فروة رأس الإنسان وسطياً على مئة ألف بصلة شعر. ويستمر نمو الشعر عند الإنسان بشكل جيد إلى عمر متقدم. وفي شكل عام تعطي كل بصلة نحو 20 شعرة جديدة في الحياة، وكل شعرة تنمو سنوات عدة لتسقط في نهاية المطاف ويتم استبدالها بشعرة جديدة.

إعداد الدكتور أنور نعمه

doctor.anwar@hotmail.com

المصدر: صحيفة الحياة