نشرت «وام» تقريراً عن حب المغفور له المؤسس الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه»، للرياضة، ولاسيما الفروسية وصيد الصقور، حيث أولى الأخيرة اهتماماً خاصاً، لما لها من ارتباط بتراث الإمارات الأصيل.
وجاء في التقرير: منذ بزوغ نجمه وانخراطه في إدارة شؤون الحكم في إمارة أبوظبي ثم توليه رئاسة دولة الإمارات إلى يوم رحيله في الثاني من نوفمبر/ تشرين الثاني 2004 أنجز المغفور له المؤسس الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه» ما وعد وحقق نجاحات عالمية استثنائية لدولة الإمارات في المحافل الدولية وأبدى اهتماماً بالغاً بأبناء وطنه وتراثهم فما زاده ذلك من شعبه إلا قرباً ومحبة.
ويعد ارتباطه الوثيق بتراث وطنه وإدراكه العميق لأهمية الحفاظ عليه وإحيائه من أبرز السمات التي ميزت شخصية الشيخ زايد إذ كان حريصاً على أن تظل مفردات التراث حاضرة في المجتمع الإماراتي خصوصاً تلك التي ترتبط بعادات وتقاليد وآداب متوارثة عن الآباء والأجداد مثل رياضة الصيد بالصقور التي ارتبط بها وكان خبيراً بأصولها وفنونها ومرجعا مهما يشار إليه بالبنان في ذلك المجال.
مارس الشيخ زايد رياضة الصيد بالصقور باعتبارها من أهم الرياضات التي توارثها الأبناء عن الآباء والأجداد في منطقة الخليج والجزيرة العربية حيث برع أهل الإمارات منذ زمن بعيد في معرفة أنواع الصقور وأفضل أساليب تربيتها وترويضها وتدريبها وحسن معاملتها وكيفية تأنيس الطير الجارح الذي يعتبر رمزا للقوة ودليلا على عزة النفس.
ويجمع الباحثون ويتفق الرواة على ان رياضة الصيد بالصقور هي أحب الهوايات إلى قلب الشيخ زايد ويحرص على ممارستها في أوقات الفراغ القليلة وسط زحام مسؤوليات الحكم ومهام الدولة لأنه يعتبر تلك الرياضة تراثا شعبيا يجب المحافظة عليه والعناية به، وشجع الأبناء على ممارسة الصيد.. وقد سأله أحد الصحفيين: هل تذهبون كل عام في رحلات للقنص وهل هذه الرحلات للراحة؟.. فأجاب: «القنص لا راحة فيه إنه يعلم الجلد والصبر وليس فيه رفاهية ولا ترفيه وأنا أحب القنص لأنه يجمع بين الصغير والكبير.. وفي رحلة القنص نمر بأراض وصحارى شاسعة فيها من البشر ما لم نرهم أونسمع كلامهم ونختلط بهم نعيش حياتهم ونستفيد منها». وقال أيضا عن هذه الرياضة: «إننا نحرص على التمسك بالتقاليد الأصيلة والتراث مهما خطونا في ميادين الحضارة والرقي، وان الصيد بالصقور رياضة مهمة ووسيلة تعلم الصبر والجلد، وهي مفيدة نفسيا وجسديا، ورياضة اجتماعية تجمع بين رفاق الرحلة وتسودها روح الجماعة، كما أن لهذه الرياضة تقاليدها وآدابها وأنواعها، من حيث سرعة الصقور وقدرتها على الطيران أو المناورة أو الصيد أو الانقضاض على الطعام».
وفي هذا الصدد يقول المواطن مرشد علي مرشد المرر(65 عاماً من منطقة الظفرة): «كنا نقنص مع المغفور له الشيخ زايد طيب الله ثراه في بينونة وغنتوت والمقناص مع زايد ليس رحلة قنص عادية بل كان يتخذ من رحلة القنص فرصة للوقوف على احتياجات المناطق التي يمر بها كما ويحرص على تفقد احوال المواطنين ويأمر فورا بتلبيتها من اجل الوطن وعزة المواطن».
ويضيف المرر: «لا نشعر خلال رحلة القنص مع الشيخ زايد بالملل ولا الكلل لأنه يحرص على ان تتخللها جلسات ودية واحاديث مفيدة وإلقاء شعر وسرد القصص والمواعظ الحسنة كما تسودها مواقف فكاهية خاصة أن الشيخ زايد بنفسه يشاركنا إعداد الطعام».
ووضع المؤسس الراحل خلاصة خبرته في مجال الصقارة في كتاب «رياضة الصيد بالصقور» الصادر عام 1976 والذي يعتبر مرجعا مهما في هذه الرياضة القديمة ولعله أوسع هذه المراجع وأكثرها دقة لأن المعلومات التي يشملها الكتاب تأتي عن ممارسة وخبرة.
يقول المؤسس الراحل: «منذ زمن مضى وكان عمري في ذلك الوقت حوالي 12 عاما كنت أصيد بالبندقية وأذكر وقتها أنني لصغر سني كنت لا أقوى على حملها كثيرا بل كنت اعتمد على ستارة أو أي شيء آخر.. لقد أحببت القنص وأخذت أمارسه وأخرج كثيرا للصيد مع من هم أكبر مني سنا وأتعلم منهم وحينما بلغت السادسة عشرة كنت قد تعلمت الصيد بالصقور فشرعت امارس الصيد بالاثنين معا بالبندقية حينا وبالصقر حينا آخر وعندما بلغت من العمر الخامسة والعشرين وكان قد مضى وقت من الزمن في تعلم أصول الصيد وفنونه في هذا الوقت فضلت الصيد بالصقر وأقلعت عن استخدام البندقية في صيد الحيوان».
وعن أسباب ذلك يقول الشيخ زايد: «في ذات يوم ذهبت لرحلة صيد في البراري، وكانت الطرائد قطيعا وافرا من الظباء، يملأ المكان من كل ناحية، فجعلت أطارد الظباء وأرميها، وبعد نحو ثلاث ساعات قمت أعد ما رميته فوجدتها 14 ظبيا، عندئذ فكرت في الأمر طويلا، وأحسست أن الصيد بالبندقية إنما هو حملة جائرة على الحيوان، وسبب سريع يؤدي إلى انقراضه، فعدلت عن الأمر واكتفيت بالصيد بالصقور».
ومن جانبه يقول المواطن ضاحي بن حمد المزروعي (60 عاما من سويحان): «كان الشيخ زايد مدرسة متفردة في القنص تعلمنا منها حكماً بالغة وقيماً رفيعة خاصة عندما نخرج للقنص بمعيته في بينونة والحمراء غرب ليوا حيث علمنا دروساً في القنص لن ننساها وحكماً ومواعظ نفتخر بها حتى يومنا هذا».
ويعد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رائد الصقارين المعاصرين في العالم واشتهر بحرصه على حماية الحياة الفطرية والحفاظ على البيئة، ومنذ مقتبل العمر استشرف الحاجة الماسة إلى إحداث توازن بين الحفاظ على التراث العريق للصقارة والصيد بالصقور وبين التأكد من بقاء الصقور وطرائدها في البرية على المدى البعيد.. ولامست رؤيته المتفردة ما عرفه حماة البيئة والطبيعة المعاصرين لاحقا ب «الصيد المستدام» أو «التوازن البيئي» وبذلك فإن الشيخ زايد لم يسبق جيله فقط لكنه تفوق بمراحل بعيدة على دعاة حماية البيئة العالميين.
وترك المغفور له الشيخ زايد إرثا غنيا للصقارين ولدعاة حماية البيئة من منطلق قناعاته وتجاربه حيث احب الطبيعة والحياة البرية على نحو غير مسبوق عبر عنه الصحفي البريطاني المشهور «باتريل سيل» الذي قابله في عام 1965 في مدينة العين حينما كان حاكما لها فقال: «إن الشيخ زايد يعرف كل حجر وكل شجرة وكل طائر يصل إلى منطقته، وفوق كل ذلك، فهو يدرك أهمية المحافظة على كل نقطة ماء ويحسن استثمارها، وهو شغوف بزراعة الأشجار».
ويؤكد المواطن عبدالله ربيع القمزي (40 عاما من سويحان): «ان رؤية الشيخ زايد آتت أكلها وجيل الشباب جنى ثمارها».
المصدر: الخليج