عاد معرض أبوظبي الدولي للصيد والفروسية لينصب خيمته من جديد في العاصمة أبوظبي من 10 إلى 13 سبتمبر الجاري، ليجمع محبي التراث على أحد أهم التشكيلات التراثية، التي تتلمس الماضي البعيد بنظرة مغرقة في الحداثة، لكن يظل المعرض بأركانه المتشعبة نافذة تطل على الثقافة الإماراتية الأصيلة في كل مراحلها التاريخية، وهو ما يعني أن العادات والتقاليد الوطنية تنبث من رائحة البخور والقهوة العربية الأصيلة وجمال الأزياء الشعبية التراثية والجلسات الحميمية التي تجمع الزوار ليتبادلوا الحديث عن هذا الحدث العالمي الأبرز في الوقت الحالي.
استطاع معرض أبوظبي الدولي للصيد والفروسية أن يجمع الكثير من أبناء الدولة والزوار الخليجين والعرب والأجانب على كلمة التراث حيث تكاملت البيئات الإماراتية القديمة لتجذب الجميع إلى السدو والتلي والمنتوجات التراثية التي حيكت بمهارة عالية على أيدي بعض السيدات المنتميات بالكلية إلى الماضي بكل أصالته، فضلاً عن الرجال الذين توفروا لصناعة شباك الصيد والقراقير ومن ثم الجلوس بجوار المراكب التراثية القديمة بالإضافة إلى الإقبال الكبير على الصقور بأنواعها المختلفة.
صون التراث
في إحدى ساحات معرض أبوظبي الدولي للصيد والفرسية في مركز أبوظبي الوطني للمعارض كانت ينتصب الركن الخاص بنادي تراث الإمارات الذي لم تزل إسهاماته في مجال صون التراث المحلي تتواصل من أجل أن يكتسب الجيل الجديد من أبناء الدولة مهاراته المتنوعة ومن ثم التعرف على أسراره والغوص في تاريخه الواسع الذي شكل حياة الماضي ورسم بدقة ملامح الحاضر، وعلى الرغم من أن نادي تراث الإمارات يجمع المورث الشعبي الأصيل في هذا المكان بالمعرض إلا أنه كان من اللافت وجود العديد من السيدات اللواتي يبذلن مجهوداً كبيراً من أجل الحفاظ على بعض الصناعات التراثية المهمة حتى تظل حاضرة في هذا الزمن، تحيي ذكرى الماضي وتتوافق الحاضر في أجل متغيراته.
حرف نسائية
وتبين مديرة مركز أبوظبي النسائي مني القمزي أن الحرف النسائية التي يهتم المركز بها لها حضور مميز في معرض أبوظبي الدولي للصيد والفروسية، حيث إن ظبية الرميثي التي تخصصت في عملي التلي عبر الكاجوجة واصلت صناعتها بشكل مباشر أمام الجمهور وهو ما كان يدعو طلاب المدارس إلى التحلق حولها من أجل التعرف على هذه الصناعة وتلفت إلى أنه بجوارها كانت تجلس حليمة عوض التي تستغل الخوص في إنتاج بعض السلال وعمل السرود، بالإضافة إلى الكثير مما كانت تحتاجه المرأة الإماراتية في الماضي من الأدوات المنزلية وهو ما كان يدعو الحضور إلى توجيه بعض الأسئلة من أجل التعرف بدقة على صناعات المرأة الإماراتية ومدى قدرة بعض السيدات على مواصلة هذا العمل رغم تطور العصر وتحويل هذه المنتوجات إلى أشكال عصرية توافق الزمن.
ركن الصقور
بالقرب من ركن الصقور تجمعت بعض السيدات من أجل التعرف على أنواع الصقور التي تجسد واحدة من أهم الرياضات التراثية في دولة الإمارات، حيث دفع الحنين مريم المنصوري وشيخة الزعابي ومريم ناصر اللواتي يعملن في جهة وظيفية واحدة إلى تلمس مواطن الصقور بأشكالها وأنواعها المختلفة وتذكر المنصوري أنها فور دخولها إلى أروقة معرض أبوظبي الدولي للصيد والفروسية وهي تبحث عن ركن الصقور شعرت بسعادة بالغة للشروحات المستفيضة من قبل حمد الكتبي مدرب الصقور والذي كان يتحدث بصورة مكثفة عن مميزات كل طير معروض في هذا الركن وتشير المنصوري إلى أنها تحب الصقور لأنها ترتبط بالعادات والتقاليد الإماراتية وتعيد المرء إلى زمن الصيد بالصقور في حياة الآباء والأجداد.
ولا تخفي شيخة الزعابي أنها تعرفت بالمصادفة على بعض أنواع الصقور حيث لفت نظرها تسمية الكتبي مدرب الصقور للعديد من الأنواع وتحدث الصقر الشاهين وجير تبع وقرميش وأحرار وبيورات وغيرهم وأن أعمار هده الصقور لا تزيد على 7 أشهر وتلفت إلى معرض أبوظبي للصيد والفروسية فرصة مهمة للتعرف على الثقافة الإماراتية التراثية عن قرب في ظل تعدد أركان المعرض وشموليته وهو ما جعله قبلة للجميع.
مراكب وشباك
أفردت هيئة أبوظبي للسياحة ركناً واسعاً يعبر بشكل واضح عن بعض البيئات التراثية في الحياة الإماراتية بداية من الواجهة البحرية التي استقطبت الكثير من الزوار إليها حيث جلس أحمد محمد الحمادي أمام بعض مركب الصيد القديمة التي تظللها الشباك والأشرعة يعمل في هدوء ويغزل شباكه التي اعتاد على صناعتها منذ أن كان في عمر السابعة، ويؤكد أنه منذ طفولته وهو في أحضان البحر يعمل بدأب في الحرفة الأكثر شعبية لدى الإماراتيين في الماضي ولم يزل يصنع شباك الصيد بصبر وجلد ولا يبخل أبداً على أي فرد يسأله عن طريقة صناعتها حتى ولو كان ذلك من أجل العلم بالشيء.
وبالقرب منه كان يفرد خالد سلطان الليف الذي تصنع منه الحبال ويدق عليه بآلة قوية وهو في هذه اللحظة لا تبدو عليها معالم السأم لكنه كان يمارس عمله بأريحية مطلقة وتظلل وجهه الابتسامة ويذكر أنه منذ سنوات طويلة وهو مرتبط بالبحر رغم أن الكثير من الناس على حد قوله اتجهوا إلى عالم المال والأعمال خصوصاً الذين كانوا يمتهنون مهنته نفسها لافتاً إلى أن الذي شكل البحر وجدانه لا يستطيع أن يفك ارتباطه به ما بين ليلة وضحاها ويرى أنه لا يتصور حياته مطلقاً بدون البحر والعمل في صناعة أدوات القوارب البحرية بشكلها التقليدي لأنها تعبر عن الموروث الإماراتي الأصيل وتنقل صورة الماضي للجيل الحالي والأجيال المقبلة بكل واقعية وصدق.
أسواق تراثية
على بعد خطوات من ركن البيئة البحرية كانت تنتصب الأسواق التراثية بكل بهائها المعهود التابعة لقسم التراث المعنوي بهيئة أبوظبي للسياحة والثقافة حيث تجمع الكثير من زوار معرض أبوظبي الدولي للصيد والفروسية في دورته الحالية يحاولون التعرف بشفافية على المزيد من أسرار هذه المنتوجات التي رغم أصالتها إلا أنها تكتسب أهمية كبيرة في تزيين البيوت وإضفاء بعض الملامح التراثية عليها في هذا العصر، وتشير مسؤولة قسم الحرفيات إلى أن هذا لركن الطولي يتسم بأنه يحتوي على منتوجات تراثية في إطار عصري لكنها تحتفظ بنكهة الموروث الشعبي بالإضافة إلى وجود الحنة الطبيعية والبراقع بشكلها القديم وأنواعها المختلفة والتي لم تزل تحظى باهتمام خاص من قبل الزوار، مؤكدة أن السيدات اللواتي يشرفن على حركة البيع مدربات بشكل جيد ولديهن قدرة عارمة على التحدث عن كل قطعة ومميزاتها وخصائصها ومما صنعت.
بين الماضي والحاضر
ومن بين اللواتي يصيرن حركة البيع بصورة سلسة نعيمة سلطان مسؤولة المعرض التي تورد أن المعرض مكتمل هذا العام ويقدم لزوار معرض أبوظبي الدولي للصيد والفروسية مجموعة من الملابس التراثية والعصي المصنوعة من الخشب واليولة ومكحلات وبراقع وألعاب أطفال تصاميمها مستوحاة من الزمن القديم وتماثل بشكل كبير تلك التي كانت تشكل بيئة الأطفال في الماضي، فضلاً عن مراوح تقليدية وماكينات خياطة تراثية وكنادير حريمي وحقائب وهو ما يجعل المعرض حلقة وصل بين الماضي والحاضر.
قهوة عربية
في أروقة هذا المكان نفسه سجلت الحظيرة حضوراً خاصاً إذ إنها لم تزل تحتفظ بمجالسها الحميمية ورائحة قهوتها العربية التي تتمتع بنكهتها الخاصة وجمالها الآخذ وفي وسط الحظيرة التي تناثرت فيها الرمال وانتظمت فشكلت أرضاً مستوية تستقبل محبي القهوة العربية من زوار معرض أبوظبي الدولي للصيد والفروسية تراصت ثلاث دلات للقهوة متباينة الأحجام إذ إن لكل واحدة منهم غرض ما وخلف الدلات كان يجلس صانع القهوة سيف الدهماني الذي يوضح أن القهوة العربية الأصيلة قديماً كانت تأتي من الحبشة واليمن وأن هذه الدلات الثلاث لكل واحدة منهم وظيفة ما وهي بالترتيب اللقمة وتعد الدلة الرئيسية والحمرة وتوضع فيها الماء والمذلة التي تزل فيها القهوة.
ويبين الدهماني أن الحظيرة في معرض أبوظبي الدولي للصيد والفروسية تتمتع بإقبال كبير من الحضور حيث إن لها مذاقا خاصا ومحببا للكبير والصغير وقديماً كانت تدار أكواب القهوة بين الناس في الحظيرة وفق آداب معينة، بالإضافة إلى أنها كانت تجمع أهل المنطقة الواحدة في جلسات سمر وأحاديث متفرقة وفي أحيان كثيرة كان يجعل هذه الجلسات لها طعم آخر الشاعر الذي يعزف على أوتار قيثارته وينشد والناس تستمع بإنصات شديد مما يضفي لوناً من السعادة على كل رواد الحظيرة بشكلها القديم الذي لم يزل يحتفظ بكل معالمه التي تحيي في النفس ذكريات الماضي الأصيل.
جلسات الضيافة
في مقابل الحظيرة مباشرة التابعة لركن هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة كان يفد طلاب المدارس على جلسات الضيافة يتخذون منها سلوة للراحة والأحاديث الطريفة وفي مكان جلسات الضيافة كانت تتوافر علب المحلى وبعض القهوة والماء ومن ضمن الطلاب الذي قصدوها ناصر علي ومحمد خالد البلوشي ومفتاح الرستاقي الذين يدرسون في معهد تطوير التأهيل المهني وهم جميعاً من منطقة سويحان ويلفت البلوشي إلى أن أهم ما يميز معرض أبوظبي الدولي للصيد والفروسية طابعة التراثي المحض وقدرته على إبراز العادات والتقاليد الإماراتية كأحسن ما يكون.
صورة وقارب
في ركن البيئة البحرية بمعرض أبوظبي الدولي للصيد توقف عدد من طلاب المدارس الذين كان لهم حضور كبير منذ افتتاح عند أحد القوارب التراثية القديمة وظلوا يتلمسونه علهم يعرفون سره إذ إنه لم يزل يحتفظ بكينونته رغم مرور الزمان وهو ما جعل الباحث التراثي عبد الله العامري يحدثهم عن حياة البحر الذي كان مصدر رزق أساسي لأبناء الإمارات في الماضي وعن حياة الغوص عن اللؤلؤ وهو ما جعل الطلاب ينصتون ويحاورونه في الوقت نفسه في حديث يشف عن مدى محبة الجيل الصاعد إلى تاريخه العتيد.
زائر من الكويت
من دولة الكويت أصر فهد العازمي على حضور افتتاح معرض أبوظبي الدولي للصيد والفروسية من أجل شراء ما يلزمه من طيور وأدوات خصوصاً وأن يدرك تماماً أهمية المعرض والحراك الثقافي الذي يحدثه كل عام في المنطقة والذي يعد واحة أصيلة للتعبير عن الثقافة الإماراتية والخليجية عبر التاريخ ويبين العازمي أنه بعد متابعته لبعض الصقور اشترى صقرين كان يبحث عنهما ووجدهما في ركن الصقور.
أشرف جمعة(أبوظبي) – الاتحاد
