مؤسسة ومدير ة دار ورق للنشر في دبي وكاتبة عمود صحفي يومي بجريدة البيان
أفتح صفحات أصدقائي على الفيسبوك، أو على منصة إكس، فأجدهم إما غارقون في خلافات ومعارك عبثية، يسمونها خطأ خلافات ثقافية، أو أنهم يشتكون ويتذمرون من كل شيء تقريباً: ارتفاع الأسعار، انقطاع الكهرباء، الكلفة الباهظة لقضاء العطلة، الزحام، ضغوطات الحياة، يشتكي الرجال من طلبات النساء، والنساء يشتكين من سلبية الرجال وتحرشاتهم، الآباء والأمهات يشتكون من ضغوطات امتحانات الثانوية على أبنائهم، وتعقيدات التقدم للجامعات، الأبناء متمردون دائماً، و.. وهكذا كل يغني على ليلاه!
أما أصحاب الخلافات الثقافية، التي تعكس صراعات شخصية في الأساس، فإنهم يُذكّرونني بعبارة تنسب للروائي «غارسيا ماركيز»، الذي يقول: «عندما لا تكون السياسة ممكنة، تحوَّل إلى الثقافة»، ما يعني أن كل خلاف أو معركة ثقافية، هي في أصلها محاولة للوصول إلى مطالب واحتياجات وانتقادات ومعارضات وأهداف سياسية، فشل أصحابها في الوصول إلى ما يريدون، فتحولوا بها إلى الثقافة، لتكون المعارك بذلك محاولة تنفيس لمآزق سياسية ليس إلا، وباختصار، كما قال ماركيز (ما لا تستطيعه في السياسة، حققه بالثقافة)!
أما فريق المتذمرين في هذه الأيام، التي تشهد معدلات فلكية لارتفاع درجات الحرارة، فإن تذمرهم الأساسي مرده للطقس، للحر اللاهب، خاصة في تلك المدن التي تشهد ساعات انقطاع طويلة للتيار الكهربائي!
والحق، فإنني ألتمس العذر لهؤلاء في تذمرهم وغضبهم، ذلك أن معدلات الحرارة التي تشهدها الأرض، تجعل الحياة لا تطاق في ظل الحر لوحده، فما بالنا بعدم وجود تيار كهربائي، وعليه، فلا بد من مخرج يخفف أزمة الطاقة، بشكل لا يزيد معاناة الناس، وهذه مهمة الحكومات لا الأفراد، لأن الطقس الحار ينعكس، كما هو معروف، على مستوى نشاط الإنسان ومزاجه، وإقباله على الحياة، وتعاملاته مع الآخرين، وتصرفاته في العمل وفي الشارع و…. إلخ.
إنني أحمد الله كثيراً ودائماً، كمواطنة أعيش في مدينة لا أتذكر متى انقطعت فيها الكهرباء لآخر مرة، وأعلم مقدار الحرص والجهد الذي تبذله الحكومة لتحقيق ذلك، وأعي مقدار الرشاد والثواب السياسي الذي تتعامل به هذه الحكومة مع احتياجات مواطنيها، فالحمد لله وكفى.
المصدر: البيان