تتطلع الصين إلى رؤية جديدة للسياسة الأمريكية في ظل رئاسة جو بايدن، وطي صفحة الرئيس دونالد ترامب، الذي لا يستطيع مقاومة ميلٍ طاغٍ لديه في تحميل الصين مسؤولية كل مشكلة، بما في ذلك الهجوم الإلكتروني الأخير، السبت، حيث وجه أركان الإدارة الأمريكية، ومسؤولون من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، أصابع الاتهام إلى روسيا، باستثناء ترامب الذي يعجبه ذلك، وتساءل: لماذا لا تكون الصين هي الجهة المرجحة في تنفيذ الهجمات وليس روسيا؟
لكن ليس من المرجح أن تختلف السياسة الأمريكية بدرجة كبيرة تجاه الصين، حتى في حال اعتمد بايدن مقاربة متمايزة عن ترامب تجاه الخصوم الاستراتيجيين. فترامب أسقط روسيا من حسابات المنافسة، بسبب ضعف روسيا اقتصادياً، وكلف هذا الأمر السياسة الأمريكية أن تخلي عدداً من الساحات أمام روسيا في أوروبا والشرق الأوسط، والتساهل مع أنقرة بتشبيك علاقات غير اعتيادية مع موسكو، مقابل حصر تركيزه على الصين. وفق الملامح الأولية من سياسة باديدن في هذا المحور، فإن إعادة تركيزه على روسيا لن تزيح محورية مواجهة النفوذ الصيني المتنامي، رغم أن فرص التعاون في مجالات عديدة حددها مسؤول صيني بثلاثة ملفات. فقد أكد وزير الخارجية الصيني وانغ يي أن الصين ترى «مجالاً للتعاون» حول ثلاث من أربع قضايا اعتبرها أولويات ملحة، وهي وباء «كوفيد19» والانتعاش الاقتصادي والتغير المناخي. لكنه حذّر واشنطن من تبني نزعة «مكارثية» معادية للصين تتجاهل المصالح المشتركة، في إشارة إلى حملة ملاحقة الشيوعيين في الولايات المتحدة التي قادها السيناتور الجمهوري جو ماكارثي عقب الحرب العالمية الثانية.
ويوافق بايدن الذي عمل لفترة طويلة عندما كان نائباً للرئيس باراك أوباما على الدبلوماسية مع الصين، إلى حد كبير على أن بكين تشكل تحدياً عالمياً، ودعا إلى استجابة أكثر صرامة بشأن حقوق الإنسان. لكن يتوقع أن يتخذ موقفاً أقل شراسة من ترامب، إذ تحدث مرشحه لوزارة الخارجية أنطوني بلينكين عن تعاون محتمل بشأن تغير المناخ والوباء.
لكن هل سيكون التعاون في بعض الملفات كافياً لتهدئة التوترات ؟
أشار تقرير لمعهد جيتستون الأمريكي، وفق وكالة الأنباء الألمانية، أن بكين تقوم بتطبيق استراتيجية متعددة الأبعاد في منطقة البحر الكاريبي، وتحقق مكاسب اقتصادية وسياسية ومن المحتمل عسكرية على بعد بضعة أميال قليلة من شواطئ الولايات المتحدة. والهدف النهائي للاستراتيجية التي تنتهجها الصين في منطقة الكاريبي ربما يكون مواجهة الولايات المتحدة، ليس فقط من خلال وجودها بالقرب من البر الرئيسي، ولكن أيضاً من خلال ترسيخ وضع مماثل للوجود العسكري الأمريكي في منطقة بحر الصين الجنوبي التي أنشأت الصين فيها جزراً جديدة في البحر، وتعهدت بعدم عسكرتها، ثم مضت بعد ذلك في عسكرتها، وفق تقرير المعهد.
يقول الدكتور لورانس فرانكلين، مستشار وزير الدفاع الأمريكي الأسبق دونالد رامسفيلد، في تقرير نشره معهد جيتستون الأمريكي، إن تغلغل الصين في منطقة البحر الكاريبي حتى الآن يتضمن مبادرة «الدبلوماسية الطبية» التي تزود أمريكا اللاتينية، ولكن بصفة خاصة الدول الجزرية في المنطقة، بالكمامات وملابس وقفازات الحماية الشخصية وبأجهزة تنفس وسيارات إسعاف وأدوية. وتنفي الصين هذه المزاعم بشكل متكرر.
وأنشأت الصين بالفعل مستشفيات في الدومينيكان وسانت كيتس وبربادوس وترينداد، بالإضافة إلى إنشاء مستشفى للأطفال في جامايكا. وخلال تفشي فيروس «كورونا»، تبرعت الصين بإمدادات طبية لنحو 15دولة في منطقة الكاريبي. ويضخ المستثمرون الصينيون ملايين الدولارات في مشاريع البناء الموجهة لقطاع السياحة، حيث تقوم شركات البناء الصينية المدعومة من الدولة ببناء منتجعات فندقية في جزر الباهاما وجويانا وبربادوس.
الأمر الذي يثير مزيداً من القلق بالنسبة للمؤسسات الأمنية الأمريكية هو المشروع الجاري لتوسيع الميناء ذي الأهمية التجارية بالفعل في كينجستون في جامايكا، وكذلك الميناء في فريبورت بجزر الباهاما الذي يعد قاعدة عمليات جديدة محتملة للصين على بعد 90 ميلاً من الساحل الأمريكي.
وبحسب لورانس فرانكلين، أيضاً، يتم تنفيذ مشاريع موانئ أخرى بتمويل صيني في كوبا وجويانا. وهناك مشروع بناء صيني آخر يستوجب التدقيق بسبب تأثيره على الأمن القومي للولايات المتحدة وهو تحديث مطار تشيدي جاجان الدولي في جويانا.
ولدى فرانكلين، كما للعديد من الباحثين والسياسيين الأمريكيين، مخاوف كبيرة من وضع الصين يدها على بلدان في نصف الكرة الغربي، لكن ليس من المؤكد فائض القوة المتاح لبايدن ولا هامش المناورة الدبلوماسية، للتعامل مع الصين. ذلك أن الولايات المتحدة لا تستطيع تلبية الحاجات الملحّة للدول المتطلعة لمساهمات بكين في تحسين اقتصاداتها وبناها التحتية، ولا تشكل الشركات الأمريكية، ذات الأجور الباهظة، بديلاً محتملاً عن الشركات الصينية قليلة التكلفة، والسريعة الإنجاز، وفوق كل ذلك، تعمل الشركات الصينية من دون أجور فورية. لذلك، أفق المستقبل القريب ينذر بمواجهة قد تكون أشد خطراً في تداعياتها من كل تحركات ترامب، لأن الأخير اعتمد على تحرك أمريكي من دون حلفاء، وهو ما سيتفاداه بايدن المؤمن بالقرارات الجماعية للحلفاء.
المصدر: البيان