في خضم الأزمة الحالية بين دول مجلس التعاون وقطر، بقي موقف الصين واضحاً بصورة نسبية، إذ إنه ظل يتسم بالحيادية، وشجع الجانبين على حل خلافاتهما، قبل أن يسببا أي أضرار لاستقرار الخليج العربي، والأهم من ذلك التسبب في حدوث أضرار بمصالح بكين.
قناة الجزيرة
من المرجح أن الصين تقدر قيام دول الخليج بمقاطعة حكومة قطر، التي تملك محطة الجزيرة الإخبارية، بالنظر إلى أن تغطية محطة الجزيرة في الصين أدت إلى وقوع مشكلات دبلوماسية بين الصين وقطر، الأمر الذي أدى إلى طرد مراسل الجزيرة من الصين عام 2012.
وربما تكون الكرة حالياً في ملعب قطر، لكن الدوحة تفقد الوقت والأصدقاء بصورة متسارعة، وستخسر المزيد إذا بقيت على أمل بأن الصين يمكن أن تقف إلى جانبها في النزاع الحالي في الخليج العربي، لأنها ستكون مخطئة تماماً.
• تعتمد قطر على شراكتها الاستراتيجية مع الصين، وتصدير الغاز السائل لها، كي تكتسب تأييد بكين، لكنها مخطئة في هذا التفكير، إذ إن الصين لا تريد خسارة علاقاتها الاستراتيجية الأخرى.
وظل انخراط بكين في الأزمة الخليجية على وتيرة منخفضة، وتمثل موقف وزارة الخارجية الصينية في هذه الأزمة، في القول بأنه خلاف داخلي بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي، على الرغم من ظهور شائعات مفادها أن دولاً خليجية أثارت احتمال قيام الصين بلعب دور وسيط مهم في الأزمة. وعلى الرغم من عدم تدخلها بصورة رسمية، إلا أن وزير الخارجية الصيني وانغ يي، كان فعالاً على هامش الندوات الأمنية الإقليمية والزيارات الثنائية، حيث قام بتقديم النصح لنظرائه الخليجيين، بالتوصل إلى حل عبر المفاوضات، لوضع حد لهذه الأزمة التي تهدّد وحدة مجلس التعاون الخليجي.
حياد تحكمه حسابات
وبالطبع، وبالنظر إلى الحيادية القديمة والدائمة إزاء ما تعتبره الصين «القضايا الداخلية» للدول الأخرى، فليس من المتوقع أن يشارك وزير الخارجية وانغ يي، ولا الرئيس الصيني تشي جينبنغ، في مفاوضات تتعلق بحل لهذه الأزمة، على الأقل ليس في الوقت الراهن.
والجدير بالذكر أن الخليج العربي أكبر مزوّد للصين بالنفط، وثاني أكبر مزود لها بالغاز الطبيعي، كما أن 46% من صادرات الصين تتجه نحو دول الشرق الأوسط. وبالنظر إلى حجم المصالح الاقتصادية الصينية الكبيرة، فمن البديهي أن حدوث أزمة تستمر لفترة طويلة ستكون نتائجها سيئة بالنسبة للصين.
ويتوقف قرار الصين في زيادة تدخلها في الأزمة الخليجية على الخطوات التالية التي ستقوم بها دولة قطر. وتعتبر الدول العربية الأربع التي قاطعت قطر، هذه الدولة بأنها مسؤولة عن دعم الإرهاب والمجموعات الإسلامية المتطرفة، كما أنها تحيك المكائد والمؤامرات في المنطقة، وتؤوي لديها شخصيات تعتبر إرهابية، وطالبتها بتغيير سياستها. وبناء عليه ثمة ضغوط متزايدة على الدوحة، كي تقدم تنازلات نحو حل الأزمة. ونظراً إلى ديناميكية المصالح والمشروعات الاستثمارية المعروضة على الطاولة مع الصين، تبدو قطر متلهفة لمعرفة ما إذا كانت الصين ستقف إلى جانبها، أم إلى جانب الدول التي تقاطعها والتي تقودها السعودية.
شراكة استراتيجية
وربما تعتمد قطر على شراكتها الاستراتيجية مع الصين، وتصدير الغاز السائل لها، كي تكتسب تأييد بكين، لكنها مخطئة في هذا التفكير، إذ إن الصين لا تريد خسارة علاقاتها الاستراتيجية الأخرى. وإذا واصلت الدوحة موقفها المتصلب خلال الأزمة الحالية، فإنه لن يمضي وقت طويل قبل أن يبدأ الدعم الصيني في التحول إلى السعودية والدول الأخرى التي تقاطع قطر. وعلى الرغم من متانة العلاقات الثنائية بين قطر والصين، إلا أن العلاقة مع السعودية ودول الخليج الأخرى أكثر أهمية بكثير بالنسبة لمصلحة الصين كدولة كبيرة تعتمد على استيراد النفط، وتصدير كميات ضخمة من منتجاتها الصناعية. ومع تزايد النفوذ الدولي للصين، وبعد أن أنشأت قاعدة عسكرية في جيبوتي، الواقعة في القرن الإفريقي، وتدفق التجارة الصينية في القارة السمراء، فإن المنطق يقول إن العلاقات الجيدة مع مجموعة أكبر من الدول سينطوي على فوائد أكثر بكثير من مجرد التعاطف مع دولة واحدة.
وأما في ما يتعلق بإيران التي تتخذها قطر حليفاً في الخليج، فإن طريق الحرير الذي يربط الصين بمنطقة الشرق الأوسط، جعل إيران مهمة في الحسابات الصينية، لكن ليس بأهمية دول مجلس التعاون الخليجي مثل السعودية والإمارات وعمان، التي بذلت جهوداً جبارة لتصبح في مكانة مهمة جداً بالنسبة للصين وطموحاتها التجارية وحاجتها للنفط. وعلى الرغم من أن الصين ترى في قطر شريكاً استراتيجياً في الشرق الأوسط، وأن الدوحة متحمسة بشأن تطوير علاقاتها مع بكين، إلا أن قطر بحد ذاتها ليست مهمة جداً في مشروع طريق الحرير.
ومن ناحية أخرى، هل يمكن أن تؤدي ضغوط دول الخليج التي تقودها السعودية على قطر، إلى جعل إيران – التي تشترك معها في حقل غاز ضخم – تقف مع قطر ضد دول الخليج؟ هذا الافتراض غير مرجح، لأن جلّ ما ترغب طهران في الحصول عليه، هو المكاسب الخاصة بها من الأزمة الحالية في الخليج، لكنها لن تجرؤ على مواجهة دول الخليج بصورة مباشرة. والمثال البحريني أكبر دليل على ذلك، فعندما قامت مجموعات مدعومة من إيران بخلق اضطرابات في البحرين، دخلت قوات خليجية إلى البحرين بقيادة السعودية للقضاء على تلك الاضطرابات عام 2011، ولم يصدر عن إيران سوى بضع كلمات حول الموضوع.
بكين تتعاطف مع المطالب
وبالطبع، فإن بكين تتعاطف مع مطالب دول الخليج، التي تتضمن أن تتوقف قطر، المعروفة بعلاقتها مع العديد من المجموعات المتطرفة والمنظمات الإرهابية، عن تمويل ودعم هذه الميليشيات، إذ لا يمكن حساب العواقب المترتبة على سياسات قطر غير المفهومة. ونظراً لشعور الصين بالقلق من تأثير المجموعات الإرهابية المتطرفة في إثارة الاضطرابات في إقليم شينجيانغ، فإنها بالتأكيد توافق على قيام عدد من الدول العربية بفرض جهودها لوقف التمويل للإرهابيين والميليشيات المتطرفة.
وعلى الرغم من أن الصين ليس لديها أدلة على تورط قطر في دعم مسلمي اليوغور في إقليم شينجيانغ، إلا أنها تدرك تماماً أن مجموعات كبيرة من اليوغور يرحلون إلى المناطق الملتهبة مثل سورية والعراق وأفغانستان، ويحاربون جنباً إلى جنب مع ميليشيات تعتبر قطر مسؤولة عن تمويلها. وترغب الصين وبقوة في دعم أي تنمية يمكن أن تؤدي إلى تقليص التهديدات المحلية التي يشكلها الإرهاب «الانتقالي»، خصوصاً أن العديد من هؤلاء اليوغور يمكن أن يعودوا إلى إقليم شينجيانغ الصيني ذي الغالبية المسلمة.
المصدر: الإمارات اليوم