كاتب قطري
هنالك أمر جليّ على الدول المحبة للسلام والاستقرار في العالم أن تلتفت إليه هو: وقف دعوات العنف في العالم، وهدم المنابر التي تحرّض على الكراهية ورفض الآخر، وإلا فإن هذه الدول ستنزلق إلى منزلق خطير يتلظى فيه أهلها وجيران أهلها.
فحتى الآن لم يجد العالم حلاً للمشكلة في سوريا، وفي العراق، وفي فلسطين، وفي اليمن، وغيرها من البلدان التي انقلب عليها «ربيعها» حرائق مشتعلة. وكل هذه الشعوب عزيزة علينا، ومن حقها أن تعيش في أمن ورخاء. ولكن الأنظمة القائمة و«عذابات» التاريخ سرقت الخبز من أفواه بعضها، وسرقت النوم من عيون البعض الآخر! ولذلك سببان، الأول: الفساد الإداري والمالي الذي عمّ تلك الدول واستئثار النظام ومن حوله بمقدرات الشعوب، ما أربك الوضع الاقتصادي، وأحدث فجوة كبيرة بين أفراد المجتمع، فإما تكون «فوق»، وإما تكون «تحت». والسبب الثاني: عسكرة البلاد، وتركيز السلطة على متانة وقوة الأمن الداخلي، وهذا خلق ضغطاً في تلك البلدان و«غيّب» عقل الزعيم عن استحقاقات الحكم، وحق الشعوب في العيش الكريم. فصار أن خُصصت أغلب بنود الميزانيات للضغط على الشعوب، وسنِّ قوانين تتعارض مع المبادئ الأساسية لحقوق الناس، ومنها تكميم الأفواه، والاعتداء على الكُتاب والمفكرين -بوسائل شتى حسب الموقف وحسب موقع الكاتب- ما يجعلهم غير قادرين على أداء أدوارهم لخدمة مجتمعاتهم، وربما دفعهم لتفضيل الانكفاء داخل دائرة الخوف، وبالتالي عدم الاكتراث لما يجري على الساحة في كل بلد.
ولا نستطيع الزعم بأن هذا التوجه قد جاء أو فُرض من الخارج! بل إن بعض الأنظمة هي التي قامت بصنعه وتأسيس الممارسة السياسية عليه. ونتجت عن هذين السببين صورة قاتمة للمشهد السياسي بين الشعوب والأنظمة، وبين بعض الدول العربية ذاتها، ولم يتم سماع صوت هذه الدول -اللهم إلا فيما ندر- للمآسي التي وقعت على الشعوب العربية، حتى بوجود جامعة الدول العربية، واتفاقية الدفاع المشترك، وغيرها من الاتفاقية التي اكتظت بها خزائن الجامعة العربية، ولذلك يزداد العنف في العراق بصورة تدعو إلى الذعر، ويزداد القتل في سوريا، حيث تضرب طائرات النظام الأبرياء ضرباً عشوائياً دونما رحمة. ولا يستطيع مجلس الجامعة العربية، ولا مجلس الأمن الدولي، ولا منظمة التعاون الإسلامي، ولا مجلس التعاون الخليجي، وقف هذا العنف، بل إن مشاهد «اليوتيوب» تنقل إلينا مشاهد لهجرة الشباب الغض المغرر به إلى تلك المناطق الملتهبة، بعد أن شبعوا وعوداً من بعض الدعاة بدخول الجنة، وبأنه لابد من محاربة «الكفار»! ولا نعلم ماذا يعنون بـ«الكفار»؟ وما يزيد استمرار العنف واتساع دوائره هي الخطابات «الجهادية» التي تنطلق من بعض العواصم العربية، والأحياء الخلفية التي تغفل عن بعضها النظم، تحت دعاوى الحفاظ على القيم الإسلامية، وهو أمر قد يجرد الشاب من زوجته وأسرته وأطفاله ليذهب فيُقتل من قبل هذا الفصيل أو ذاك، ويضيع دمه بين «القبائل»!
إن ضمير العالم ما زال مثقوباً، وإلا فإن كلمة من الولايات المتحدة تستطيع إخماد كل هذه الحرائق التي تجري في العراق وسوريا. ألم تسقط أميركا أعتى وأقوى نظام في العالم العربي؟ وهو نظام صدام حسين. ومن كان يُصدق أن يسقط ذاك النظام؟ ألم تجبر الولايات المتحدة ذلك النظام على الانسحاب من الكويت في عام 1991؟ فلماذا يستمر «هذيان» هذا الضمير، وهو يشهد سقوط العشرات يومياً في حروب خاسرة لن تفيد لا الشعب العراقي ولا الشعب السوري؟! ماذا لو قال الرئيس أوباما كلمته عندما كانت البوارج الأميركية بعتادها الصاروخي تتأهب أمام الشواطئ السورية؟! ولماذا لم يفعل فعل سلفه بوش في معالجة الوضع العراقي؟! ومن قبله بوش الأب في حرب تحرير الكويت. ولماذا أجهض آمال السوريين في نجاح ثورتهم؟ بل وزاد من معاناتهم حتى هذا اليوم. ولماذا وقفت روسيا مع نظام الأسد، وهي تدرك مدى معاناة الشعب السوري، وحقه في خياراته، كما فعل أهل الجزء الشرقي من أوكرانيا حيث وجّه بوتين قواته المدججة لتأمين اختيارات ذلك الجزء من أوكرانيا؟ بل لماذا فرَدَ «الناتو» عضلاته الضخمة للإجهاز على حكم القذافي في ليبيا ومساعدة الشعب الليبي؟ وتردد في القيام بأي دور في الحالة السورية، أو الحالة العراقية؟! ناهيك عن كون الولايات المتحدة مسؤولة أخلاقياً وتاريخياً عن الويلات التي دخلها الشعب العراقي، بعد احتلالها لهذا البلد، وتفتيتها للجيش العراقي، ثم مغادرة المسرح ليبقى الممثلون «يتراشقون» بالعباءات والعمائم والقنابل!
الضمير العالمي المثقوب لم يتحرك عندما توجهت القوات الروسية غرباً نحو أوكرانيا، وتمت معالجة الأمور دون دماء تراق! والضمير العالمي المثقوب لم يتحرك عندما تدخلت إيران -في وضح النهار- في سوريا، وأيضاً كما تتدخل اليوم في العراق، لإدارة حرب طائفية في البلدين! والضمير العالمي المثقوب لم يلتفت لمعاناة «الروهينجا» المسلمين في بورما، وحملة التطهير العرقي ضد المسلمين من هذه الطائفة.
يبدو أن كثرة الثقوب في ذلك الضمير قد جعلته غير قادر على التركيز، بل وغير قادر على رؤية المشهد بوضوح.
المصدر: الإتحاد