كاتب سعودي
هذه ليست المرة الأولى التي نواجه فيها مرحلة اقتصادية صعبة بسبب هبوط أسعار البترول، فنحن هكذا دائما: يساعدنا ارتفاع أسعار النفط فنعيش طفرة اقتصادية مفاجئة ونرفع شعار (أصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب).. ومشاريع وخطط وأرقام وميزانيات.. وفجأة.. يتغير المشهد الاقتصادي تماما.. حيث تهوي أسعار البترول إلى أدنى مستوياتها فننتقل إلى مرحلة (الطفر) ونرفع شعار: (شدوا الحزام.. شدوا الحزام)!.
والمثير أننا في كل مرة نشعر بالندم لأننا لم نستغل فترة (الطفرة) الاقتصادية بشكل أفضل، نعيد الأسطوانه ذاتها: لو كنا استفدنا من العائدات الضخمة لتنويع مصادر الدخل لما تأثرنا إلى هذه الدرجة، لو كنا وضعنا آليات صارمة لمكافحة الفساد ومواجهة الهدر المالي في وقت الطفرة لكان لدينا ما يغنينا عن هذه الحيرة التي نواجهها بعد أن وصل سعر برميل البترول إلى أدنى مستوياته.
باختصار نحن لا نملك دائما القدرة على رفع سعر برميل النفط إلى الرقم الذي نريد ولكننا بالتأكيد نستطيع أن نرفع كفاءتنا بحيث تكون لدينا القدرة على النهوض باقتصادنا واستكمال خططنا التنموية مهما كان سعر البرميل، وهذه الكفاءة لا يمكن أن تنشأ دون اتباع منهج صارم للحفاظ على الأموال العامة والحرص على استغلالها بالشكل الصحيح وحمايتها من شراهة الفاسدين وإنقاذها من سوء الإدارة.
الأمر الجيد في الموضوع أن فرصة التصحيح قابلة للتكرار، وها نحن اليوم نعيش فرصة جديدة لتغيير عاداتنا الاقتصادية السيئة التي لا تختلف كثيرا عن عاداتنا الغذائية السيئة حيث نعاني من السمنة المفرطة بسبب الشراهة في الأكل مع قلة الحركة، لذا يجب أن تكون فترة التراجع الاقتصادي فرصة لمراجعة الذات وتحسين الأداء ومكافحة الفساد وضبط الإنفاق الحكومي والبحث عن مصادر بديلة للدخل والاستفادة من الطاقة البشرية الهائلة التي يشكلها شبابنا من الجنسين كي نتحول إلى أمة منتجة لا تتغير طموحاتها بتغير أسعار النفط.
لو غيرنا عادتنا الاقتصادية وأوقفنا الهدر فإنني لا أبالغ بأن زمن (الطفر) سوف يكون أفضل بكثير من زمن (الطفرة)، كما أن هذا التغيير الذي نحتاجه سوف يمكننا من الاستفادة من أي ارتفاع لأسعار البترول في المستقبل، لأننا لو بقينا على حالنا هذا فستظل استفادتنا محدودة أو ناقصة حتى لو وصل سعر البترول 200 دولار، فالذي يجعل للمال قيمة حقيقية وأثرا لا تخطئة العين هم البشر.. وليس العكس!.
المصدر: صحيفة عكاظ