كاتب إماراتي
وافقت السلطات السويدية قبل أيام بالسماح لمسجد (فتيجا) الكائن في إحدى ضواحي العاصمة ستوكهولم برفع الأذان لأول مرة في تاريخ السويد، لمدة خمس دقائق كحد أقصى وقت صلاة الجمعة. وعندما تقرأ التعليقات المكتوبة تحت الخبر، تجد أنها مليئة بالتكبير والدعاء بعزة الإسلام، والمجد لراية التوحيد. فكّرتُ قليلاً:
ماذا لو كنتُ أحد السويديين الذين صوتوا للسماح بالأذان وقرأتُ هذه التعليقات، هل سأندم على دعمي وإيماني بحق المسلمين، وأي طائفة دينية أخرى في السويد، بممارسة شعائرها في العلن؟! ثم فكرّتُ أكثر: لماذا ننظر إلى هذه الأخبار والأحداث في الغرب، التي من المفترض أن تكون إيجابية ومتسامحة، نظرة صراع وغزوات وفتوحات؟
تصور أنك دخلتَ منزل أحدهم، وبعد العشاء طلبتَ منه أن تبيت فيه فسمح لك، وعندما أدخلك غرفة الضيوف وانصرف صرختَ “اللهم انصرني عليه” فهل تعتقد بأنك بذلك أفضل منه؟ اسأل نفسك: من أكثر تسامحاً؟ ومن أخلاقه أكثر رقياً؟ ليس بالضرورة أن تكون مسلماً لتصبح متسامحاً، ولكن عليك أن تكون متسامحاً حتى تصير مسلماً حقاً.
نتحدثُ كثيراً عن أن الإسلام يدعونا للتسامح والوسطية والاعتدال، وهو كذلك دون شك، ولكننا نحنُ المسلمون لم نعد كذلك. بل إن غالبيتنا بعيدة تماماً، ودون أن تدري أو تشعر، عن معاني التسامح والرحمة. قال لي أحدهم بأن الدم يغلي في جسده عندما يرى سيارة أجنبي في بلده وقد علّق فيها سلسلة بها صليب، وقبل عامين زار أحد أصدقائي دولة خليجية.
وكان كلما وقف أمام موظف الجوازات يُطلب منه أن يدخل غرفة التحقيق ويعامل بمهانة واحتقار، حتى اكتشفنا مؤخراً بأنه يلبس صليباً حول رقبته. وعندما طلبتُ منه أن يخبئه في حقيبته، تفاجأ بأنه مر من المطار مرور الكرام!
حكت لي زوجتي مرة بأنها دخلَت مدرسة ابني سعيد فرأت السيد جون، وهو أحد الإداريين فيها، يدعو الأطفال للذهاب إلى المسجد قبل أن تفوتهم الصلاة. وعندما سألتُ عنه اكتشفتُ بأنه ليس مسلماً، وقال لي سعيد بأن الطلبة يحبونه لأنه يعاملهم بلطف. الحلاق الذي أحلق عنده منذ أكثر من عشر سنوات ليس مسلماً أيضاً.
ولكنه يُسكِتُ صوت التلفاز كلما رُفع الأذان، وقال لي قبل مدة بأنه يرسل ابنته لتتعلم العربية والإسلام. وعندما سألته إن كان يفكر في اعتناق الإسلام، ردّ بأنه مسيحي مؤمن ولا يفكر بتغيير دينه، ولكنه يحب أن يتعلم أطفاله سماحة الإسلام ولغته.
وكانت والدتي تخبرني عن الدكتورة سارة هوسمان التي أسست أول مستشفى للولادة في الشارقة، والتي كانت من ضمن الإرساليات التبشيرية البريطانية إلى المنطقة.
حيث كانت تزور النساء في المستشفى وتقرأ لهن من الإنجيل وكنّ يستمعن لها حتى إذا ما انتهت من قراءتها وانصرفت، صلّين على النبي وشهدن ألا إله إلا الله. لم يعنّفنها يوماً، بل كانت علاقتها بالناس لطيفة وجميلة. عاش أجدادنا مع المسيحيين والهندوس ولم يبغضوهم أو يبخسوهم حقوقهم، بل أحسنوا إليهم، وشكلوا معهم مجتمعاً متسامحاً معتدلاً، يقبل الآخر دون أن يتخلى عن هويته ومعتقده.
لو سمعتَ اليوم عن طلب من الجالية المسيحية في بلادك لإنشاء كنيسة فهل ستقبل؟ وهل ستستخدم الحديث الشريف: “أخرجوا المشركين من جزيرة العرب” الذي ورد في المعادين وليس في المُسالمين منهم، حيث إن أبي بكر وعمر أبقيا اليهود في اليمن، والنصارى في نجران، والمجوس في الإحساء.
أو حديث: “لا يترك في جزيرة العرب دينان” وتأويله، في رأيي، ألا يسيطر على مناحي الحياة ومفاصل الدولة ومراكز السلطة في البلاد، غير دين الإسلام. والدليل أن الشارع سمح لنا بالزواج من أهل الكتاب، والأكل من طعامهم، ودعانا للبر بهم والإقساط إليهم، فكيف يطلب منا إذن طردهم!
أنا لا أدعو إلى بناء كنائس ومعابد في جزيرة العرب، على الرغم من أن تجربتنا في الإمارات إيجابية في هذا المجال، حيث توجد لدينا أكثر من واحد وثلاثين كنيسة، ولم يبدّل أحدنا دينه. ولكنني أفكر بصوت عالٍ: عندما تَمنع دولة غربية المسلمين من بناء مآذن نتهمها بالعنصرية، كما حصل في سويسرا، على رغم أنها تسمح لهم بإقامة المساجد والصلاة فيها.
وعندما تمنحهم حقهم وزيادة، كما في السويد، فإننا نعتبر ذلك نصراً للإسلام وليس تسامحاً من السويديين. متى سندرك بأننا لسنا متسامحين كما نظن وندّعي؟ والأهم، متى سندرك بأن العالم ليس جزءاً منا نحن المسلمين، بل نحن جزء من العالم؟
المصدر: البيان