العجلة التي لا تقود إلى مكان

آراء

خاص لـ هات بوست:

أتعرّفُ عندما يكون الهامستر في عجلته مسرعًا جدًا؟ عليه أن يبقى في الدرجة نفسها من السرعة؛ فإن أسرع أكثر، خرج عن الإيقاع وسقط، وإن تباطأ قليلًا، انجرف داخل العجلة.

القرارُ بالخروج منها لا يعني التوقّف، بل يعني أن يقف بثباتٍ وبقوّة، أن يختار وعيَه على دورانِه.

العجلةُ التي يدور فيها الهامستر ليست قفصًا، بل مرآة. يظنّ أنه يجري نحو الحرية، نحو الأهداف، ويحيا الحياة، بينما هو يعيد الخطوة نفسها في اتّجاهٍ دائريٍّ مغلق.

سرعته تمنحه شعورًا بالقدرة، لكنها في الحقيقة تمنعه من الملاحظة.

لو أسرع أكثر، سيُقذَف خارجها بقوة، ولو تباطأ قليلًا، سيسقط في مركزها — حيث لا حركةَ ولا اتّجاه، بل يسقط جسده على قضبانها وهي لا تزال تحرّكه.

في العجلة، كلّ شيءٍ يتحرّك… إلا الوعي.

يركض الهامستر، يلهث الزمن، ويُدوَّر الهواءُ نفسه آلافَ المرّات.

السرعة تغرّيه بوهم السيطرة، وبوهم القوة، لكن في عينيه خوفٌ من السقوط أكثر من رغبةٍ في الوصول.

فقط عندما يتوقّف بإرادته، حين يختار الخروج من العجلة لا بدافع التعب، بل بدافع الوعي، يتحوّل الدوران إلى إدراك.

يفهم أن التوازن لا يعني الاستمرار في السرعة، بل امتلاك القرار بين الحركة والسكون، بين ذاته وما يريده الآخرون.

في عالمنا الحديث، كلّنا في عجلةٍ ما — نركض فيها ظانّين أننا نتقدّم. لكن الحقيقة أن القفز خارج العجلة أحيانًا هو الفعل الوحيد الذي يخلق المعنى.

أن تختار الوعي بدل الاندفاع، أن تتوقّف، لا لأنك تعبت، بل لأنك أدركت أنك كنت تركض في المكان نفسه منذ البداية.

الحرية ليست الهدف، بل النتيجة.

الحياة هي الهدف — أن تعيشها بوعيٍ كافٍ لتعرف متى تركض، ومتى تقف.

لأن الحرية بلا حياة تُصبح فكرة، والحياة بلا حرية تُصبح تكرارًا.

أمّا حين يلتقيان، يُولَد المعنى.