عمل محرراً في قسم الشؤون المحلية بصحيفة "أخبار الخليج" البحرينية، ثم محرراً في قسم الديسك ومحرراً للشؤون الخارجية مسؤولاً عن التغطيات الخارجية. وأصبح رئيساً لقسم الشؤون المحلية، ثم رئيساً لقسم الشؤون العربية والدولية ثم نائباً لمدير التحرير في صحيفة "الايام" البحرينية، ثم إنتقل للعمل مراسلاً لوكالة الصحافة الفرنسية (أ.ف.ب) كما عمل محرراً في لوموند ديبلوماتيك النشرة العربية.
قبل حوالي 25 عاما ومع سقوط الاتحاد السوفيتي السابق في ديسمبر 1991، فرض سؤال حيوي نفسه: من هو العدو الجديد للغرب؟
لم يكن هناك جواب واضح ومحدد، لكن في الاسابيع القليلة التي تلت ذلك الحدث التاريخي، أدلى الرئيس الاسرائيلي السابق شمعون بيريز بتصريح مقتضب لكن محدد عندما اعلن ان “الاسلام هو العدو الجديد للغرب لان فيه نفس الطابع الشمولي للشيوعية”.
في العام 1991، كانت قد مضت ثلاث سنوات تقريبا على نشأة تنظيم “القاعدة” في غمرة الحرب الافغانية ضد الاتحاد السوفيتي وقبل بضعة شهور من انسحاب القوات السوفيتية من افغانستان في 1989. لكن السنوات اللاحقة في التسعينات ستشهد بروز تنظيم “القاعدة” على المستوى الدولي من خلال سلسلة من العمليات والتفجيرات في بلدان عدة. فمن تفجيرات فندق موفنبيك في عدن (1992) التي اعتبرت اولى عمليات تنظيم القاعدة وسلسلة من الهجمات على القوات الامريكية في الصومال (1992-1993) وتفجيرات مراكش واسطنبول (1994) مرورا بتفجير السفارتين الامريكيتين في نيروبي (كينيا) ودار السلام (تنزانيا) عام 1998 والهجوم على المدمرة “يو اس اس كول” في ميناء عدن (2000)، كان تنظيم القاعدة يتوج المرحلة الاولى من عولمة الجهاد والتي بلغت ذروتها مع هجمات 11 سبتمبر 2011.
لقد مثلت هجمات 11 سبتمبر بداية المرحلة الثانية في بروز تنظيم “القاعدة” باعتباره العدو الاول للغرب. فتلك الهجمات كرست القاعدة عدواً رئيسياً للولايات المتحدة والغرب في هجمات تماثل في ظروفها وملابساتها ونتائجها الهجوم الياباني على “بيرل هاربر” عام 1941. لقد دشنت هجمات بيرل هاربر بداية انخراط الولايات المتحدة في الحرب العالمية الثانية لدحر النازية وتاليا زعامتها العالمية، اما هجمات سبتمبر 2011، فقد دفعت الولايات المتحدة لإعلان “الحرب العالمية على الارهاب”.
بدأت المرحلة الثانية بالحرب على نظام طالبان في افغانستان اواخر عام 2011 وغزو العراق في 2003. هنا بالضبط، يمكن ملاحظة أن تغييراً قد طرأ على سلوك الولايات المتحدة في احداث رئيسية محددة. فاذا كانت السياسات الامريكية حيال “الارهابيين” قد تم تفسيرها في اطار رد الفعل حيال هجمات 11 سبتمبر، إلا ان الملاحظ أيضاً انها كانت تنطوي أيضاً على “استثارة رد فعل” خصوصا مع حدثين مهمين هما فضيحتي التعذيب في معتقل “غوانتانامو” وفي سجن “أبو غريب” في العراق.
هناك نمط متكرر في الكشف عن التعذيب في معتقل غوانتانامو وفي ابوغريب. فلقد عرف العالم عما يجري في غوانتانامو عبر تسريبات نشرت في الصحف الامريكية. ان الصور الصادمة والمعلومات حول سوء معاملة المعتقلين والتعذيب بما فيها تدنيس القرآن، خلقت موجة كبيرة من الصدمة في العالم العربي والاسلامي. ولقد دفع كل ذلك الولايات المتحدة الى سلسلة من الاجراءات القانونية عبر المحكمة العليا للتعامل مع الوضع الشاذ لهذا المعتقل الذي وصفته منظمة العفو الدولية بانه يمثل “وحشية العصر”.
وعلى النحو نفسه، تم الكشف عن فضيحة التعذيب في أبوغريب عام 2004 من خلال صور وتفاصيل تسربت للصحف الامريكية وفي كلا الفضيحتين كانت هناك خلاصة وحيدة: نية مسبقة للإذلال والتعذيب والتخلي عن القيم الاخلاقية والانسانية حتى القيم الامريكية نفسها. وبينما لم يتعرض اي من مسؤولي معتقل غوانتانامو للمساءلة، تم تبرير ما جرى في “ابوغريب” بانه تصرف معزول وتم تقديم ستة من الجنود الامريكيين للمحاكمة، لكن هذا لم يلغ سؤالاً جوهرياً: “لماذا يلجأ الجيش الامريكي للتعذيب على ذلك النحو الذي تم الكشف عنه في غوانتانامو وابوغريب؟ والأهم ما هي تبعات الكشف عن مثل هذه الفضائح؟
في تحقيقه الاستقصائي عن التعذيب في أبوغريب، ينسب الصحافي الامريكي سيمور هيرش لاستاذ دراسات الشرق الاوسط في جامعة نيويورك برنارد هايكل قوله: “تجريد المعتقلين من انسانيتهم امر غير مقبول في اي ثقافة، لكن في العالم العربي على وجه الخصوص فان افعال الشذوذ الجنسي محرمة في الشريعة الاسلامية ومن المهين جدا ان يظهر الرجل عاريا امام رجال آخرين.. ان وضع الرجال عراة فوق بعضهم البعض واجبارهم على الاستمناء تعد من افعال التعذيب”.(سيمور هيرش: التعذيب في ابوغريب، مجلة نيويوركر- 10 مايو 2004).
استقراء هذه الفضائح في السياق الاوسع للسياسات الامريكية في العراق منذ احتلاله عام 2003 خصوصاً مع أحداث مثل حل الجيش العراقي ومعاملة السكان في المناطق السنية (في اطار مكافحة الارهابيين) والسجون التي ادارها الامريكيون، تدفع الكثيرين للاستنتاج بأن هذه السياسات وفرت المناخ المثالي لولادة تنظيم “داعش”. لكن هذا يبدو الآن استنتاجاً أكاديمياً ملطفاً مع تزايد التقارير والأدلة على تورط الولايات المتحدة وبريطانيا المباشر في نشأة تنظيم “داعش” وتقويته. ففي 3 يونيو الماضي، نشرت صحيفة “ذي غارديان” البريطانية تقريراً حول انهيار محاكمة شاب بريطاني متهم بالانتماء لتنظيمات ارهابية بعد ان ثبت ان المخابرات البريطانية قامت بتسليح نفس المنظمات التي يتهم الشاب بالانتماء لها. واشارت الصحيفة الى عملية مشتركة للمخابرات البريطانية (ام آي 6) والمخابرات الامريكية اسميت “خط الجرذان” لنقل اسلحة من مخزون الجيش الليبي السابق الى المتشددين في سوريا والعراق. وقبل ذلك، في شهر مايو كشفت تحقيقات استقصائية نشرت على الانترنت عن ان المخابرات الامريكية (حسب وثائق تم رفع السرية عنها بموجب امر قضائي) لعبت دورا في تقوية تنظيم “داعش”.
إذا ما وضعنا ظهور وبروز تنظيم “داعش” في سياق البحث/صناعة عدو جديد، فان تكهنات شمعون بيريز السابقة حول العدو الجديد للغرب تحققت وبشكل مدهش. لكن بيريز ليس ساحراً وليس عرافاً بل شخص وسياسي يعرف جيدا حاجة القوى العظمى للأعداء.
إن صناعة العدو لا تعني الامساك بجهاز تحكم او الضغط على ازرار حواسيب، بل طريقة أخرى لممارسة السياسة: التحكم والتأثير على الاحداث والتوجهات، التأثير على الخصوم بل حتى دفعهم نحو الخيارات والمسارات التي تريدها. وللمفاجأة، فان المسار الطويل لصنع عدو جديد، أثمر عدوا فريدا من نوعه: “عدو يتمناه الجميع”.
فالنظام السوري كان بحاجة ماسة لعدو مثل “داعش” لكي يحصل على شيء من المبررات الاخلاقية في حربه ضد السوريين خصوصا وانه ومنذ البداية وصم الاحتجاجات المدنية المبكرة ضده بانها من صنع ارهابيين. وما أن ظهر تنظيم “داعش” في سوريا حتى اثبت انه مهتم بالحرب ضد المعارضة اكثر من النظام مما ادى الى اضعافها وتحول ميزان القوى في مرحلة ما لصالح النظام. لهذا، فان التحقيق الذي نشرته مجلة “دير شبيغل” عن دور المخابرات السورية في تقوية “داعش” يملك مصداقية لدى الكثيرين.
وفي العراق، فان “داعش” مثل هدية لا تقدر بثمن لايران. اولا لكي تثبت ان الارهاب “صناعة سنية” تماما مثلما هو التقييم الامريكي والدولي، وثانيا لكي تقود حربا ضد الارهاب في العراق تباهى بها عدد من المسؤولين الايرانيين. لكن هذه الحرب ضد الارهاب لم تشن قربى لله بل من اجل مكاسب استراتيجية عبر عنها بوضوح مسؤول ايراني بحديثه وبشيء من التفاخر عن “عودة العراق عاصمة للإمبراطورية الفارسية”. وهذا هو ما يدفع بعض رجال الدين والناشطين السلفيين لاتهام ايران بانها تقف وراء ظهور “داعش”.
وبالنسبة لاسرائيل، فان “داعش” عدو تحتاجه بشدة لا لكي ينشغل العرب بحروب طائفية تنتهي الى تقسيم بلدانهم فحسب، بل لمنحها مبررات مقنعة لشن الحرب على الفلسطينيين والحصول على تعاطف دولي تفتقده بشدة. ان الاسرائيليين يصلون من اجل ظهور “داعش” في فلسطين المحتلة. لهذا يعتقد كثيرون ان اسرائيل متورطة بشدة في صنع “داعش” بل والادعاء بان زعيمه أبوبكر البغدادي تم تدريبه من قبل الموساد الاسرائيلي.
إن قائمة المستفيدين من “داعش” تتسع لتشمل العديد من اللاعبين الاقليميين وكل بأهدافه الخاصة، لكن السؤال الجوهري ما يزال مطروحا أمام واشنطن ولندن حول الدوافع الخفية لكل منها لصنع وتقوية هذا “العدو/ الوحش”.
مترجما عن غلف نيوز – الجمعة 3 يوليو 2015