رجل أعمال إماراتي
لم يعد سهلاً في هذه الأيام أن نعتزّ بانتمائنا العربي، فكيف لنا أن نشعر بالفخر والاعتزاز فيما تتكدّس جثث القتلى في سوريا والعراق وغزة وليبيا، بينما العالم العربي لا يحرّك ساكناً باستثناء طلب المساعدة من الولايات المتحدة وحلفائها، الذين لا يبادرون إلى التدخّل عسكرياً إلا عندما يتناسب ذلك مع مصالحهم الجيوسياسية؟
يُجيد الرئيس أوباما التلويح بإصبعه وإطلاق عبارات الشجب والتنديد، لكنه ينكفئ في الحالات الطارئة التي تتطلب تحرّكاً عاجلاً، فسياسته الخارجية ليست سوى متاهة من الارتباك والسير على غير هدى، وخير دليل على ذلك نسب التأييد له. تدخَّل لإنقاذ ليبيا من حاكمها الديكتاتوري، لكنه تركها للميليشيات المتناحرة، متجاهلاً النداءات التي وجّهتها الحكومة الليبية مؤخراً للحصول على المساعدات الطارئة. وتعهّد بتسليح المعارضة السورية لكنه عاد فنكث بوعده، وأسوأ من ذلك تراجعه عن التدخل العسكري في سوريا في اللحظة الأخيرة، ما أتاح لنظام الأسد أن يستمر في ذبح شعبه.
وكذلك كشف عن ازدواجية شديدة في المعايير في تعامله مع المجزرة الإسرائيلية التي أودت بحياة نحو ألفَي فلسطيني في غزة، فلم يوجّه سوى انتقادات طفيفة للعدوان الإسرائيلي غير المتكافئ، فيما يستمر في تزويد نتانياهو بالأسلحة الثقيلة.
علاوةً على ذلك، اختار البيت الأبيض توجيه انتقادات لاذعة لمصر التي تؤدّي حالياً دور الوسيط في المفاوضات الحسّاسة الجارية بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وذلك على خلفية قيامها بسجن ثلاثة صحافيين من قناة »الجزيرة«. وهذا أمر مثير للضحك إذا ما نظرنا إلى المجزرة التي تشهدها المنطقة، ناهيك عن أن العديد من الصحافيين تعرّضوا للاعتقال أو للهجوم بالغاز المسيل للدموع، خلال أعمال الشغب الأخيرة في فيرغسون في ولاية ميسوري.
قبل بضعة أيام فقط، عقد أوباما مؤتمراً صحافياً أعلن فيه أنه سيرسل سلاح الفرسان الأميركي لإنقاذ آلاف الأيزيديين العالقين في أعالي جبال قاحلة تحت أشعة الشمس الحارقة دون غذاء ولا مياه، فيما يحيط بهم إرهابيو »داعش«، لكنه عاد فغيّر رأيه في اليوم التالي بذريعة أن عدد الأيزيديين الذين لا يزالون عالقين في ذلك المكان لا يتجاوز الألفَين، إلا أن الأيزيديين اعتبروا أن الرقم غير صحيح لأنه لا يزال هناك عشرة آلاف شخص في خطر.
ينفطر القلب لدى رؤية مشاهد النساء والأولاد اليائسين يتدافعون للوصول إلى مروحيات المساعدات، وفي بعض الحالات يرمون أطفالهم في أذرع أشخاص يتواجدون داخل المروحية.
ويقترح أوباما الآن تسليح قوات البشمركة الكردية، للتصدّي لتنظيم متعطّش للدماء إلى درجة أنه يعطي الأولاد رؤوساً مقطوعة كي يحملوها ويستعرضوا بها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ويدفن الناس أحياء أو يصلبهم.
إنه لأمر غير مقبول أن يُسمَح لعشرة آلاف أو خمسة عشر ألف قاتل متوحّش بأن ينتشروا في شمالي سوريا وفي العراق، ويزرعوا الرعب في نفوس الأقليات، فيستولوا على البلدات والقرى ومخازن الأسلحة، والأموال من المصارف، ومحطات الكهرباء، وعلى سد أساسي يمكن استخدامه لإغراق مناطق بكاملها، وصولاً إلى العاصمة في أقصى الجنوب.
لا يسعنا سوى التساؤل؛ لماذا لم يدعم أوباما المعارضة السورية عبر تزويدها بالأسلحة المتطورة، في حين أنه لا يتردّد في تسليح الأكراد؟ قد يجيب المشكّكون بأن إقليم كردستان الغني بالنفط يدور في فلك الولايات المتحدة منذ حقبة صدام، وأنه يمدّ إسرائيل الآن بالنفط عن طريق خط أنابيب. ويبدو أن قائد القوات المسلحة الأميركية يعتبر أن تغيير رئيس الوزراء في العراق كافٍ لجعل القبائل السنّية التي سئمت القمع والتهميش على يد المالكي، تتحلّق حول الحكومة، مع العلم بأن رئيس الوزراء الجديد حيدر العبادي يتشاطر العقيدة نفسها مع المالكي.
ليس أوباما ساذجاً، فالرسالة التي يوجّهها هي الآتية: »نعاقب المالكي لرفضه توقيع اتفاقية وضع القوات الأميركية، لكننا سندعم العبادي شرط أن يقبل أن مصيره في يد الولايات المتحدة«.
بصراحة، نشعر وكأن مصيرنا جميعاً في يد الولايات المتحدة، وقد حان الوقت لوضع حد للاعتماد العربي غير السليم على الحماية الغربية، لأننا لا نحصل على أي حماية في الواقع، وأكثر من ذلك، بما أننا نملك جيوشاً وطائرات ومروحيات وصواريخ ودبابات »صُنِعت في أميركا«، لماذا لا ندافع عن أنفسنا؟ هل الأسلحة التي نشتريها مقابل مبالغ طائلة تسهم في ملء خزائن الدولة في الولايات المتحدة وأوروبا ورفع أسعار الأسهم العائدة لشركات تصنيع الأسلحة، هي مجرد ديكور؟
فيما تتخبط المنطقة العربية في كل هذه المعمعة السياسية والأمنية، ينبغي على دول مجلس التعاون الخليجي أن ترصّ صفوفها وتأخذ زمام المبادرة، وعليها أن تبادر أولاً إلى تشكيل جيش مشترك يخضع لقيادة موحّدة، وقد كانت هذه الفكرة موضع نقاش لكنها لم تُطبَّق.
نستطيع أن نمتلك معاً قوة عسكرية كبيرة يحسب لها الحسبان في كل العالم. ويتعيّن على مجلس التعاون الخليجي، أن يتّخذ أيضاً موقفاً موحّداً على الجبهة الدبلوماسية. لم يعد ينفع الاكتفاء بإصدار بيانات يتجاهلها المجتمع الدولي، لأنها ليست مدعومة بنفوذ جدّي! نمتلك أدوات كثيرة يمكن استخدامها لممارسة تأثير فعلي، شرط أن نتحلّى بالجرأة اللازمة لاستعمالها.
لماذا نكتفي بالتذمر عندما تفرض الولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا عقوبات على البلدان؟ تستثمر دول الخليج العربي مئات مليارات الدولارات في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وكذلك الأمر بالنسبة إلى المستثمرين الخليجيين الأفراد.
يقول أوباما إنه يريد أن ينأى بالولايات المتحدة عن التدخل في الشرق الأوسط، فلنساعده في مسعاه هذا عبر تحمّل مسؤولية أمننا. علينا أن نبدأ بمحو تنظيم »داعش« عن وجه الأرض، قبل أن يلوّث ترابنا بشروره.
لقد تبنّى مجلس الأمن الدولي قراراً بالإجماع يحظر مختلف أشكال التمويل لتنظيم »داعش«، ويشدّد على وجوب أن تعمل كل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة على كبح التجنيد في صفوف التنظيم. قرار يكتفي بالنزر اليسير، كما أنه جاء متأخراً جداً! فقد أصبح »داعش« التنظيم الإرهابي الأكثر ثراء في العالم، ويملك كماً هائلاً من الأسلحة الأميركية التي استولى عليها.
المقلق في المسألة هو الطريقة التي تتعامل بها الولايات المتحدة وسواها من البلدان مع تنظيم »داعش« وكأنه دولة شرعية بحكم الأمر الواقع، بدلاً من التعامل معه على أساس أنه عصابة دموية. ليست المقاطعة الخيار المناسب في التعاطي مع الإرهابيين، بل تجب إبادتهم عن بكرة أبيهم.
يجب أن يكون ذلك بديهياً، لكنه لا يبدو كذلك في عالمنا الذي فقدَ صوابه، حيث غالباً ما يُصوَّر الأسود بأنه أبيض والعكس. عندما يعود المقاتلون الأجانب في تنظيم »داعش« إلى ديارهم وفي نفوسهم تعطّشٌ شديد للدماء، عندئذٍ قد يستعيد المجتمع الدولي رشده.
أوجّه من جديد نداء قوياً إلى قادة دول مجلس التعاون الخليجي، لتبنّي استراتيجية موحّدة من أجل مواجهة هذه التهديدات والمظالم الجديدة.
إذا بقينا نعيش في الماضي، ونتوقّع من القوى الخارجية الاعتناء بنا، فسوف نقضي على مستقبل أولادنا بسبب لامبالاتنا. وإذا لم نحرّك ساكناً، فسوف نواجه خطر إعادة ترسيم حدودنا.
المصدر: البيان
http://www.albayan.ae/opinions/articles/2014-08-20-1.2185835