عبدالحميد العمري
أكدت بيانات وزارة العدل حول نشاط السوق العقارية المحلية، وتؤكد يوما بعد يوم حالة الركود الشديد التي تمر بها السوق، التي أنهت الأسبوع الماضي أسبوعها الخامس عشر على التوالي، وتستمر هذا الأسبوع السادس عشر على نفس المنوال، حيث تبين إحصاءات الفترة الراهنة منذ مطلع شباط (فبراير) 2015 حتى نهاية الأسبوع الماضي، انخفاض القيمة الإجمالية للصفقات العقارية (15.4 مليار ريال) بنحو 6.3 في المائة، مقارنة بالفترة نفسها من عام 2014، وانخفاضها بأكثر من 15.7 في المائة، مقارنة بالفترة نفسها من عام 2013. وأتى الانخفاض في قيمة الصفقات العقارية في جانبه السكني بدرجة أكبر؛ حيث سجلت خلال نفس الفترة تراجعات بلغت نحو 12.7 في المائة، مقارنة بالفترة نفسها لعام 2014، وبنسبة تراجع أكبر مع الفترة نفسها من عام 2013 بلغت 15.2 في المائة.
الركود العقاري الذي يسبق هبوط الأسعار
يسري هذا التراجع بالمقارنة نفس الفترة للعامين الماضيين على بقية المؤشرات “عدد صفقات، عدد عقارات”، ما يؤكد فعليا أن السوق العقارية تواجه فترة صعبة من الركود، الناتج في الدرجة الأولى عن الارتفاع الشاهق جدا في مستويات الأسعار، مقابل محدودية مستويات الأجور بالنسبة للأفراد، ومحدودية القدرة على الاقتراض بهدف الشراء. وكما سبق أن تم إيضاحه في (مؤشر الاقتصادية العقاري) قبل نحو شهرين من تاريخ اليوم، أن السوق العقارية المحلية تعيش مرحلة العرض المفرط (زيادة عروض البيع مقابل الإحجام عن الشراء)، التي تعد الحالة الثالثة من الفترة الزمنية المقدرة بنحو 18 عاما التي يكتمل خلالها تحقق أربع مراحل مختلفة في السوق العقارية في أي اقتصاد حول العالم.
تبدأ السوق العقارية دورتها تلك بالمرحلة الأولى: (الانتعاش) التي تتسم بانخفاض الشواغر من المساكن، وعدم وجود بناء جديد لها. تنتقل بعدها مع ارتفاع الأسعار السوقية إلى المرحلة الثانية: (التوسع) التي تتسم بارتفاع الأسعار السوقية للوحدات السكنية وللأراضي بطبيعة الحال، التي تغري باجتذاب مزيد من الاستثمارات والسيولة الباحثة عن قنوات للاستثمار المجدي، لتنتقل بالسوق إلى المرحلة الثالثة الراهنة: (العرض المفرط) التي تتسم بزيادة شواغر المساكن، زيادة بناء الوحدات السكنية، بحثا عن تحقيق مكاسب وعوائد، كما حدث للاستثمارات التي تدفقت على السوق أثناء المرحلة الثانية، غير أنها وكما تشهده السوق العقارية في المرحلة الراهنة، التي يكاد يكتمل انتقالها إلى المرحلة الرابعة، التي مؤشراتها بالتحقق منذ النصف الثاني من عام 2014، ويتوقع أن تكتمل سيطرتها على السوق خلال العام الجاري 2015: (الركود) التي تتسم ملامحها بالزيادة المفرطة في الشواغر من المساكن، واكتمال مزيد من بنائها، الذي سيشهد توقف الاستثمار فيها من قبل القطاع الخاص، نتيجة زيادة العرض على الطلب، وهذه المرحلة قد تستغرق فترة من الزمن يحتمل امتدادها طوال الأعوام السبعة إلى الثمانية المقبلة، تشهد خلالها تراجعا في مستويات الأسعار السوقية، لتبدأ من ثم في دورة سوقية جديدة تعود من خلالها إلى المرحلة الأولى التي تحمل عنوان الانتعاش.
أهمية معلومات السوق لتفكيك الفقاعة السعرية العقارية
يعزى لتلك البيانات الرسمية المنتظمة الصدور من العدل الكثير من الإيجابيات، التي أماطت اللثام عن خفايا ما يدور في باطن هذه السوق العملاقة. ذلك أن غياب البيانات والمعلومات المنتظمة عن نشاط السوق العقارية؛ أسهم بصورة كبيرة في زيادة المضاربات وتدوير الثروات بهدف التلاعب بالأسعار، والعمل المنظم والمبرمج من قبل القوى القليلة العدد والأكثر سيطرة على السوق العقارية على رفع مستويات الأسعار، الذي تسبب لاحقا في تشكيل الفقاعة العقارية، لتصل إلى ذروتها في عام 2014.
لكن مع بدء صدور بيانات وزارة العدل وانتظام نشرها بصورة يومية، ومبادرة وسائل الإعلام في نشر تلك البيانات، وتقديمها عبر تقارير دورية في مقدمتها صحيفة “الاقتصادية” من خلال تقريرها الأسبوعي العقاري، ما أدى إلى إيضاح كثير من خفايا السوق العقارية وحقائقها الغائبة لجميع أفراد المجتمع، الذين كانوا أكبر الضحايا لتلك العمليات من التلاعب بالأسعار، ولغياب معلومات السوق عنهم. أؤكد أنه مع انكشاف حقائق ومعلومات السوق، بدأنا نشهد جميعا تحولات بالغة الأهمية في مسار وتحركات السوق، سواء على مستوى الأسعار التي بدأت تسجل تراجعات منذ مطلع الربع الأخير من 2014، واستمرت في مسارها الهابط وإن كان في صورة متئدة إلى تاريخ اليوم، ويتوقع في ظل الظروف والعوامل الراهنة أن تستمر وتتزايد وتيرة تراجعها، ويعد العامل الرئيس والأثقل وزنا في ميزان كل تلك العوامل المؤثرة في الوقت الراهن على اتجاهات السوق العقارية؛ هو زيادة المعرفة والوعي والاطلاع على تطورات السوق العقارية بصورة منتظمة من قبل مجتمع المستهلكين، وعليه يعول أن تبنى قرارات الشراء أو الإيجار بناء على معلومات موثوقة، لا كما كان حاصلا في الأعوام الماضية، تجد أغلبها يستند إلى مصادر ذات علاقة بصناع السوق العقارية، يغلب على نشاطها إما أنها مؤسسات فردية تمارس عمليات التسويق والسمسرة، أو أنها مؤسسات ذات مصالح مشتركة مع ملاك ومنظمي المساهمات العقارية، تقاطعت مصالح كل تلك الأطراف عدا أفراد المجتمع والاقتصاد الوطني عند ارتفاع الأسعار، وألا يتوقف مسارها الصاعد مهما كانت الظروف الاقتصادية.
إن اطلاع المستهلك الدائم على بيانات وزارة العدل، والتطورات التي تظهرها بصورة دورية ومنتظمة، وما ينتج عنها من تقارير ودراسات موثوقة، تتناولها بالتحليل والقراءة والتوضيح؛ يمثل في حقيقته درعا واقية له من الوقوع تحت تأثير إيهامه من قبل المستفيدين من ارتفاع أسعار العقارات، ومحاولات تضليله بأن الأسعار في طريقها للارتفاع مرة أخرى أو حتى استمرارها. بعيدا عن الخوض في مآرب أو الخفايا التي تقف وراء تلك الآراء أو المقولات، التي تنكر إما عن جهل أو حتى عن علم حقيقة التراجع الراهن في الأسعار، كما تثبته بيانات وزارة العدل، عدا ما تظهره عشرات الآلاف من إعلانات بيع الأراضي والوحدات السكنية، التي تغطي شوارع المدن والمحافظات والصفحات الإعلانية، تؤكد الوقائع القائمة اليوم في السوق العقارية، أن المستهلك بفضل اطلاعه على التقارير المستندة إلى وزارة العدل، إضافة إلى تعزيز وعيه الاقتصادي والمالي، كلها تجعله في موقف أقوى بكثير مقارنة بموقفه العاجز معلوماتيا خلال سنوات ما قبل نشر تلك البيانات، ويكفي القول أن قرار امتناعه سواء برغبته أو لعجزه عن الشراء لضعف دخله وقدرته على الاقتراض، أنه القرار الأكثر تأثيرا في الوقت الراهن على نشاط السوق، وهو بالفعل ما يمثل المرحلة الثالثة من دورة السوق العقارية، التي تتسم بالعرض المفرط (زيادة عروض البيع مقابل الإحجام عن الشراء)، وهذه حقيقة أدركها المستهلك قبل غيره من الأطراف، وهو الطرف الأهم فيما يدور الآن من تطورات تمر بها السوق، دون النظر إلى بقية الأطراف من ملاك ومسوقين وسماسرة وبعض الكتاب، الذين سيصبح وزنهم شبه معدوم أمام قناعة المستهلكين بعدم الشراء بهذه المستويات المبالغ فيها من الأسعار المتضخمة. إنه بذلك يقطع الطريق على أي تلاعب قد يدفع ثمنه باهظا في منظور الأعوام المقبلة، لعل من أخطر أشكاله أن يقتني أصلا عقاريا سيتهاوى ثمنه قريبا، أو أن يتورط في تحمل أعباء تمويل بنكي لأكثر من 20 عاما قادما، وكل هذا لا شك أن المتضرر منه هو المستهلك وحده، فيما المستفيد الوحيد هو من يبيعه ذلك الأصل العقاري، الذي يوشك سعره على الانخفاض بنسبة كبيرة.
الأداء الأسبوعي
سجل إجمالي قيمة الصفقات العقارية خلال الأسبوع الماضي تراجعا كبيرا بلغت نسبته 39.0 في المائة، لتستقر عند 5.8 مليار ريال، بعد النمو الكبير بنحو 77.8 في المائة الذي تحقق لها خلال الأسبوع الأسبق، الذي أسهم في تحققه النمو القياسي للصفقات التجارية. وسجلت الصفقات العقارية للقطاع السكني ضمن هذه التغيرات الأسبوعية، نموا أسبوعيا بلغت نسبته 11.0 في المائة لتستقر عند 4.7 مليار ريال، وهو المستوى الأدنى من المتوسط الأسبوعي لصفقات القطاع السكني لعام 2014 بنحو 21.5 في المائة، فيما تراجعت الصفقات الأسبوعية للقطاع التجاري بنحو 79.1 في المائة، لتستقر عند 1.1 مليار ريال، ويأتي هذا المستوى أدنى من المتوسط الأسبوعي لعام 2014 بنحو 64.9 في المائة. أما على مستوى مبيعات العقارات السكنية، فقد عادت للتراجع بنحو 1.0 في المائة، لتنخفض من 5687 عقارا مبيعا إلى 5631 عقارا مباعا بنهاية الأسبوع، أتى أغلب هذا الانخفاض من الانخفاض، الذي طرأ على مبيعات الأراضي الزراعية بنسبة 16.2 في المائة، وانخفاض مبيعات البيوت السكنية بنسبة 12.5 في المائة، وانخفاض مبيعات قطع الأراضي السكنية بنسبة 2.0 في المائة، مقابل ارتفاع مبيعات كل من الشقق والعمائر والفلل السكنية، بنسب بلغت حسب الترتيب 1.6 في المائة، 7.1 في المائة، و21.7 في المائة على التوالي.