رئيس تحرير صحيفة الإمارات اليوم
رمضان شهر العطاء والرحمة، والإمارات في كل عام تترجم ذلك عبر أفعال ومواقف ومبادرات إنسانية وخيرية، وعطاؤها يمتد ليشمل مختلف شعوب وعواصم العالم، خصوصاً تلك الشعوب الأكثر حاجة إلى هذا العطاء، حتى أصبحت الحملات والمبادرات الإماراتية الخيرية علامة مميزة في عالم تزيد فيه المشاحنات، ويتفاقم فيه العنف، وتقل فيه الرحمة والتسامح، لتصبح الإمارات هي الشعلة المضيئة وسط الظلام الكثيف.
عودنا صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، في كل رمضان من كل عام، إطلاق حملة إنسانية نوعية، يدعمها ويتابعها بنفسه، ويوجه بها العمل الخيري ليوحد الجهود الإنسانية الإماراتية في الشهر الفضيل، لا يهدف من ذلك سوى زرع البسمة في وجه كل حزين، وترك بصمة إنسانية دائمة لشعب الإمارات في محيطه العربي والإسلامي والإنساني.
حملة هذا العام، نوعية، متميزة، غير مسبوقة، لا تركز على توفير الغذاء والماء، لكنها لا تقل أهمية عنهما، بل تزيد في أهميتها على الطعام والماء، لأنها تُغذي العقول، وتُصفي النفوس، فالعقول إذا فسدت فسد المجتمع، وإن رقت وَسَمَت ساد التسامح وعمّت المحبة واستقر المجتمع، بالعقول وليس بالمال وحده نحارب الجوع، ونقضي على الفقر، فالمال قد يُوفر لقمة لمحتاج مرة أو مرتين، لكن العقول المستنيرة توفر الديمومة اللازمة لكسب المال بالعمل والإتقان والتطور..
انتقل محمد بن راشد من سقيا الماء.. إلى سقيا العقول وتغذية الأرواح، وذلك عبر توزيع خمسة ملايين كتاب على اللاجئين وعلى الطلاب المحتاجين، فليس سهلاً أن نعرف أنه في بعض الدول يتشارك 30 طفلاً في كتاب واحد، في حين أننا كدولة حضارية راقية نستطيع أن نمد لهؤلاء الأطفال يد العون والمساعدة، لاشك في أن هذه المعلومة أثرت في نفسية ذلك القائد مرهف الحس الذي يُدرك أهمية العلم في ارتقاء الأمم، لذا قرر أن تكون حملة هذا العام مخصصة للقراءة، فأطلق، أمس، حملة «أمة تقرأ»، التي تهدف لتوزيع خمسة ملايين كتاب، وبناء ألفي مكتبة في أكثر دول العالم حاجة إلى هذه الكتب..
إنها ليست مجرد حملة لجمع كتب، هي كما قال سموه «مسؤوليتنا الحضارية والدينية.. هي دعم طلاب العلم أينما كانوا.. والله لا يضيع أجر من أحسن عملاً، فالعلم من الدين.. والمعرفة سبيل للحضارة.. والكتاب نور وهدى وطريق لعمارة المستقبل».
مسؤوليتنا جميعاً، أفراداً ومؤسسات حكومية وخاصة، وكل من يستطيع الإسهام في فعل الخير في هذا الشهر الفضيل، عليه ألا يتأخر، وعلى الجميع، خصوصاً المؤسسات الحكومية والخاصة، أن تعتبر ذلك جزءاً من دورها المجتمعي والحضاري الذي يمثل الوجه المشرق لدولة الإمارات.
الحملة ليست حملة محمد بن راشد الشخصية، ولا هي حملة إمارة دبي، كما أنها ليست حكراً على الدوائر الحكومية، هي حملة خير وعطاء، ورسالة محبة وتسامح ورحمة من الإمارات إلى العالم، حملة لنبذ العنف والتشدد والإرهاب والقسوة من خلال نشر العلم، وتثبيت الوسطية والاعتدال، والارتقاء بالعقول، وتهذيب النفوس، لذا فالجميع معني بها، وعلينا جميعاً تقع مسؤولية نشر العلم، فهو إحدى الصدقات الجارية التي يظل مفعولها سارياً إلى يوم القيامة، وهو أجر متجدد لا ينقطع، يبث الخير كلما انتفع منه أحد.
الإمارات أرض الخير والعمل الخيري، التاريخ يثبت ذلك، لِمَ لا وهي تسير على خطى المغفور له، بإذن الله تعالى، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رائد العمل الخيري في العصر الحديث، وأحد القلائل الذين سطر التاريخ أسماءهم بأحرف من نور في الريادة في الأعمال الإنسانية والخيرية، التي كانت تصب في مصلحة البشرية في كل موطئ قدم على الكرة الأرضية، لم يفرق في عطائه بين أمة وأخرى، أو بين دين وآخر، أو إنسان وآخر، أعطى المحتاج أينما كان، وزرع الخير أينما ذهب، لذا فكلنا أمل وتفاؤل بنجاح حملة «أمة تقرأ» في نشر العلم والمعرفة لجميع من يحتاج إليهما.
المصدر: الإمارات اليوم