كاتب سعودي؛ كان سفيراً لبلاده في منظمة اليونسكو
تمخضت الانتخابات الهندية، مطلع الأسبوع الماضي، عن فوز حزب بهارتيا جاناتا (ينتمي إليه المتطرف الذي قتل المهاتما غاندي) بغالبية الأصوات، ما يعني تخويل رئيس الحزب ناريندرا مودي رئاسة الحكومة الهندية خلال المرحلة المقبلة.
وقد اشتهر مودي بأنه هندوسي شديد التعصب، وكان قد اتهم بالمشاركة في أعمال عنف ضد المسلمين في الهند، ما حدا بالولايات المتحدة أن ترفض السماح له بدخولها في عام ٢٠٠٥ على خلفية مشاركته في تلك المذابح. الآن طبعاً سيدخلها ويدخل غيرها بفضل إرادة الشعب الهندي الذي صوّت له!
وفي نهاية الأسبوع الماضي، كانت المفاجأة لكل المراقبين للانتخابات الأوروبية فوز المحافظين والأحزاب اليمينية في كثير من دول أوروبا، والمفاجأة الكبرى بالطبع في تلك النتائج هي فوز زعيمة الحزب الفرنسي اليميني المتطرف مارين لوبين باكتساح لم يتوقعه أكثر العنصريين تفاؤلاً.
وكانت لوبين، وأبوها من قبلها رئيساً للحزب، يخوضون الانتخابات الرئاسية الفرنسية طوال الأعوام الماضية فلا يحصلون إلا على النسبة الأقل أمام حزبي اليمين الوسط والاشتراكي. لكن أرقام الأصوات كانت ترتفع في غلّة اليمين المتطرف مع كل فترة انتخابية لاحقة من دون أن يأخذ المراقبون الموضوع بجدية، وها هي الآن باتت تقترب أكثر فأكثر من الفوز برئاسة فرنسا في الجولة الانتخابية المقبلة عبر بوابة الاتحاد الأوروبي الواسعة.
ما الذي يمكن استنباطه من سَوق هذين المثالين الطازجين من نتائج انتخابات أعرق ديموقراطيتين في العالم: أوروبا والهند؟
أن العنف والتعصب ليسا وضعية خاصة بالعالم العربي أو بالشعوب الإسلامية، بل هما للأسف حالة عالمية سائدة، تقودها ثقافة فكرية قائمة على الإقصاء وترتكز على ذهنية أنا والآخر… أنا المبجّل والآخر الوضيع، أنا المؤكَّد والآخر المشكوك فيه، أنا المخلص والآخر الخائن.
لماذا يتنامى هذا الشعور العنيف في العالم بأسره؟ هل للدين حقاً علاقة أم أن للاقتصاد علاقة أكبر لكنها مختفية تحت رداء الدين؟!
كيف سيـــكون الوضع في العالم العربي، العنيف أصلاً، إذا تفاعل كعادته مع أي عنف قد يقع ضد المسلمين في الهند مع مجيء الحكومة اليميــــنية الجديدة، أو إذا تأثر بأي إجراءات إقـــصائية قد تتــــخذها الأحزاب اليمـــينية النـــافذة ضد العرب المــــهاجرين في أوروبا؟
الإنسان في العالم العربي مشغول بتطبيب جراحه من أشواك الربيع العربي… الخالي من الورود. وهو يشعر الآن بأن («ربيع الميادين والمساكين» مات، وأن عليه أن يختار بين «ربيع المتشددين» و «ربيع الجنرالات» ولكل منهما ثمن لا بد من دفعه) كما قال غسان شربل.
خيارات العربي من مائدة العنف باتت الآن أكثر تنوعاً. فبعد أن ظل لسنوات لا يسمع سوى «العنف الديني»، ستحتوي قائمة الخيارات الجديدة الآن على: العنف الديني والعنف العسكري… وأيضاً العنف الليبرالي!
المؤشرات تقول إننا مقبلون على عالم أكثر عنفاً رغم كل مشاريع التقارب وبرامج الحوار وجوائز نوبل السلام التي توشك أن تُحجب في الأعوام المقبلة أو أن تُحوّل من جوائز إلى هدايا!
على رغم كل هذا التشاؤم ما زال في جعبتي الكثير من التفاؤل.
المصدر: الحياة اللندنية