في القرية العالمية.. تختلف أسباب السعادة والاستمتاع وتتعدد حسب رغبة كل زائر من زوارها، فالبعض ينشد التسوق كرغبة أولى والبعض الآخر ينشد الاطلاع على الثقافات المختلفة وآخرون يبحثون عن البهجة بين أروقتها وعلى مسارحها الزاخرة بكافة أنواع العروض الفنية والاستعراضية والجميع يسعى لإسعاد أطفالهم ومشاركتهم المرح والألعاب المختلفة ويتنقل الزوار من جناح إلى آخر بحثا عن التسوق أو شراء المأكولات الشعبية أو مشاهدة التراث الفني لكل دولة من موسيقى واستعراض.
الجناح المصري يتميز بأنه لا يقدم كل هذه الأشياء فقط ولكنه يضيف إليها متعة أخرى قد لا تتوفر في كثير من الأجنحة الأخرى، وهي النزهة بين صفحات التاريخ الفرعوني ومحاكاة تفاصيل الحياة اليومية للفراعنة وأهم صناعاتهم وحرفهم التي يتم إحياؤها أمام عيون الزوار بشكل عملي بل ويعطي فرصة نادرة للصغار والكبار من التفاعل مع هؤلاء الحرفيين المهرة والتعلم منهم،هم فنونهم واكتشاف أسرار الحضارة القديمة وخباياها التي قد تخفيها أو تغيبها السنون والمشاركة في متعة العيش، كما عاش الفراعنة القدماء والقيام ببعض المهام أو الصناعات والحرف اليدوية التي قاموا بها في حياتهم اليومية، وتتضمن الجولة أن يقوم الزائر بنفسه في الاشتراك في صنع بعض القطع الفنية تحت إشراف هؤلاء الحرفيين المهرة مثل الاشتراك بصناعة قطع الفخار أو أوراق البردي، وهو الأمر الذي مثّل أمراً مميزاً بالنسبة للكثيرين من العائلات وخاصة الأطفال الذين وجدوا ما يبهرهم ويمتعهم ويجعلهم يعيشون مغامرة مثيرة في صفحات التاريخ.
المغامرة الأسطورية
التصميم الخارجي للجناح يسهم في وضعهم في أجواء المغامرة الأسطورية من أول وهلة، فهو يستلهم طراز المعابد الفرعونية وتنتصب في سمائه مسلة فرعونية شاهقة تطل في خيلاء بالكتابة الهيروغليفية على سطحها وتدل على موقع الجناح المصري من أي مكان في القرية العالمية.. ومن الخارج تم نحت المشهد الخارجي لمعبد أبو سمبل في جنوبي مصر والذي أقامه الملك رمسيس الثاني، وفي مدخل الجناح يقف نموذج العجلة الحربية لرمسيس الثاني التي قادها في موقعة قادش، بينما تم عمل بحيرة كبيرة من الماء مثل التي كانت توجد في المعابد الفرعونية القديمة وكما في معبد الكرنك وكان يطلق عليها اسم البحيرة المقدسة. ولهذا بمجرد أن تطأ قدماك ارض الجناح تشعر أنك امتطيت آلة الزمن وانتقلت لزمن آخر وسفر بعيد في الزمن والمسافة دون أن يكلفك هذا السفر سوى بضع خطوات تسيرها من بوابة القرية العالمية لتحط رحالك بين أروقه الجناح المصري.
معالم سياحية وأثرية
ورغم تعدد أنواع المحال التي تبيع المنتجات المصرية الشهيرة من حلي وأطعمة وملابس قطنية من القطن المصري الممتاز وقطع خزفية ومشغولات نحاسية بديعة مما يشتهر بها خان الخليلي أشهر الأسواق القديمة بالقاهرة، إلا أن مقدمة الجناح ومدخله الرئيسي تخطف عقل وعين الزوار لما تزخر به من معالم سياحية وأثرية تتوق النفس لزيارتها، وتم تخصيص مساحات كبيرة لهذه المنطقة السياحية والأثرية بغرض رفع قيمة الزيارة والتركيز علي الاهتمام بالجانب الثقافي والترفيهي والتفاعلي بالجناح، ليتسق مع سياسة القرية العالمية التي حولت زيارة الأسر إليها إلى رحلة مملؤة بالشغف والمرح والتنوع الثقافي إلى جانب التسوق والتذوق لمختلف نكهات الطعام حول العالم.
..اقتربت منهم لأتعرف إليهم.. يقول رب العائلة «ساتيا»: نحن نعيش في ألمانيا وحضرنا إلى دبي للسياحة منذ يومين وسنبقى بها حتى نهاية الأسبوع.. ومن أول الأماكن التي نصحنا بها الأصدقاء لزيارتها هي القرية العالمية.. وبالفعل وجدتها متنزها عائليا جميلا يستطيع فيه الإنسان أن يرى أشياء عدّة من جميع أنحاء العالم.. وقد سعدت فعلا بزيارة الجناح المصري خاصة أننا كنا ننوي زيارة مصر كسياحة خلال العام الماضي ولكننا أحجمنا عن ذلك بسبب المخاوف الأمنية.. ولكنني الآن تشجعت لزيارة مصر.. فقد عرفت أن الأوضاع الأمنية هناك قد تحسنت كثيرا.. وزيارتي للجناح المصري شجعتني على أن أعيد التفكير في أمر رحلتي القادمة مع أسرتي في أقرب إجازة، وأعتقد أنها ستكون رحلة إلى مصر بالتأكيد.
أما زوجته «لاكشمي» فتقول: «أعتقد أن التذكار الذي خرجت به من الجناح المصري سيكون مميزاً، فهي المرة الأولى في حياتي التي أقوم فيها بصناعة الفخار.. العملية تبدو سهلة لمن يتابع الفواخرجي وهو يمارس صناعة الفخار بسهولة ويسر، ولكن في الحقيقة العملية شديدة الصعوبة لأن الطين شديد الليونة وأي حركة خاطئة تجعل القطعة التي نعمل عليها تنهار أو تتخذ أشكالاً غير مرغوبة، فهي تحتاج لدقة ومهارة فائقة وسعدت بتجربتها.
لقطات تذكارية
أترك الأسرة الهندية القادمة من برلين تسعد بتشكيل الفخار على الطريقة الفرعونية لأنتقل إلى مشهد آخر يحظى بشعبية كبيرة بين الكبار والصغار داخل الجناح المصري، حيث يوجد نموذج مجسم بالحجم الكامل لعرش توت عنخ آمون المذهب، ويحظى الزوار بفرصة لالتقاط صورهم على عرش الفرعون الصغير.. يستمتع الآباء بتوجيه أبنائهم لاتخاذ حركات تنم على العظمة والكبرياء وكأنهم يحملون صولجان الفراعنة ويجلسون على العرش، بينما تحاكي العائلات بعض المشاهد الموجودة على لوحات البردي لعائلة توت عنخ آمون وهي تسترخي وتجتمع معا.. ثم ينتقل الزوار لالتقاط صور أخرى مع العجلة الحربية الشهيرة التي كانت السلاح الأبرز في جيش الفراعنة القدماء وتميزت بسرعة حركتها وفاعليتها، بحيث تشبه سلاح الدبابات في العصر الحديث.. ونجحت هذه العجلات الحربية في قيادة الجيوش الفرعونية لتكوين إمبراطورية واسعة امتدت حتى نهر الفرات في عصر الدولة الحديثة.
أما الجانب الآخر من نموذج معبد الكرنك فيحتله «عم محمود» حرفي ماهر آخر يرتدي ثياب الفراعنة ويقوم بإحياء مهنة قديمة وعريقة ظلت موجودة في مصر منذ عهد الفراعنة حتى وقت قريب ولكنها أشرفت على الانقراض الآن وهي مهنة صناعة الأثاث من «جريد النخيل» أو فروع النخيل..ويقوم «عم محمود» بتشكيل جريد النخل خطوة بخطوة أمام عيون زوار الجناح المصري الذين يجلسون بجواره ويتابعون مهاراته الحرفية ولكن من دون أن يشاركوه العمل ويجربوا بأيديهم هذه الحرفة، كما هي الحال في حرفة الفخار بسبب خطورة التعامل مع أدوات تشكيل الجريد الحادة التي يمكن أن تسبب الأذى أو تجرح غير المختص وهو يتعامل معها.
ويقول (رمضان بديوي مصمم ملابس فرعونية وإكسسوارات ومسؤول بالجناح المصري): أردنا أن يقدم الجناح المصري جرعة من الثقافة والمتعة والتفاعل والمشاركة إلى جانب التسوق، ولذلك فقد خصصنا مساحة كبيرة من الجناح لهذه الحرف التقليدية وجعلنا الزوار قادرين على المشاركة والاستمتاع بها.. وبعض هذه الحرف القديمة كادت أن تندثر.. وبعضها (مثل صناعة الجريد) تحتاج إلى رعاية واهتمام لأنها تعيد تدوير خامات بسيطة متوافرة بكثرة في بيئتنا العربية مثل جريد النخيل، فبدلاً من أن تتحول إلى نفايات نحتاج للتخلص منها يمكن تحويلها إلى سلعة حقيقية متينة يستفيد منها المجتمع وخاصة الشباب المقبلين على الزواج لقلة تكلفتها ومتانتها.
هدايا وتذكارات للأطفال
ويتخذ أيضاً «عم علي»ركناً خاصاً لصناعة الأرابيسك والقطع الخشبية المزركشة بعناية، ويجتمع حوله الأطفال وعائلاتهم لمشاهده خطوات تنفيذ وتصنيع هذه القطع الفنية البديعة ومحكمة الصنع من السبح والمشغولات الخشبية، ولا ينسى «عم علي» أن يهدي الأطفال المتحلقين حوله بعض الهدايا والألعاب الخشبية الصغيرة التي تم تصنيعها أمامهم مثل «النحلة الدوارة» أو العرائس الخشبية الصغيرة.
من الأجزاء المهمة المخصصة لتثقيف الزائرين في الجناح المصري نموذج مصغر من المتحف المصري بنفس تصميم المتحف الشهير الموجود في ميدان التحرير بالقاهرة.. يتم الدخول إليه بالمجان ويصطف الزائرون على الباب انتظاراً للدخول بسبب كثرة الإقبال عليه.. ويعرض المتحف المصري المصغر نماذج لمقبرة توت عنخ آمون ومقتنياتها الشهيرة التي تعتبر أهم كنز أثري تم العثور عليه حول العالم.. كما يعرض بعض النماذج من مقتنيات المتحف المصري والمعابد الفرعونية الشهيرة.
تجربة صناعة الفخار
المشهد الذي يجتذب الجميع كباراً وصغاراً في الجناح المصري هو الركن الذي يحتله صانع الفخار (أو الفواخرجي) الذي يجلس على عجلة الفخار التقليدية ويرتدي الزي الفرعوني القديم، ويدير بمهارة شديدة عجلة الفخار ليشكل بيديه العاريتين قطعة من الطين ويحولها إلى تحفة فنية تنطق بالإبداع.. وتحت المنصة التي يجلس عليها يوجد لافتة كبيرة تدعو الزوار لممارسة هذه التجربة الفريدة.. «تجربة صناعة الفخار بالمجان».. فيضع «عم محمد الفخراني قطعة من الطين اللين على عجلة صناعة الفخار ويتقدم الزائر ليعمل على تشكيلها بنفسه.. وبفضل إرشادات عم محمد الخبير تتشكل قطعة الطين شيئاً فشيئاً لتتحول إلى قطعة تذكارية فريدة يحملها الزائر بين يديه سعيداً كتذكار قل أن يجد له شبيهاً.
جذبتني هذه التجربة الطريفة وقفت أتابعها والإقبال يتزايد عليها والكل يرغب في تجربتها كباراً وصغاراً، وحاولت أن اجتذب أطراف الحديث مع «عم محمد» الذي قال لي: هذه أول مرة أشارك بالقرية العالمية، وسعيد للغاية بهذه التجربة وبإعجاب الزوار من كل الجنسيات بحرفتي والإقبال الشديد على تجربتها ومحاولة تعلمها من مختلف الجنسيات، وكثير من الزوار يسالون عن المواد الخام المستخدمة ومراحل التصنيع وكيفية إعداد الطين من التراب الأسمر للأرض الزراعية وتحويله إلى مادة طيعة للتشكيل والتنفيذ ويتواصل حديثنا، بينما عائلة هندية مكونة من أب وأم وطفل جميل يقومون بعمل قطع الفخار كل منهم في دوره ويتبادلون التقاط الصور.
المصدر: الخليج