أخطر ما في الفساد أنه يفسد الأخلاق والقيم، حتى يصبح ذاته مسألة مقبولة. وحينما تعرف الناس أن مسؤولاً من دائرتها قد «سرق» و«خان» الأمانة ثم يقولون عنه بافتخار: ذيب، فأنت أمام حالة خطيرة من فساد المجتمع.
وعندما يتقاعد «المسؤول» من عمله فقيراً أو «على قد الحال» ثم يقال عنه: مسكين، ما عرف يذيّب نفسه،
فأنت أمام حالة أخرى من فساد الأخلاق. أن يصبح الفساد ذاته «قيمة» و«مفخرة» فأنت أمام معضلة اجتماعية حقيقية.
إن الثقافة التي تنظر بإعجاب للمسؤول الفاسد وتشفق على المسؤول الأمين، لأنه خرج من وظيفته بلا مكاسب غير مشروعة، هي ثقافة تعاني من علل أخلاقية كبرى.
نحن هنا لا نرتهن فقط لثقافة المجتمع التي نفترض فيها أن تكون قامعة للفساد. ما يجب أن نرتهن إليه هو الأنظمة والقوانين التي تراقب وتعاقب الفاسدين. لا أفهم كيف تقوم قيامة البعض إن تزوج ابنهم من خارج قبيلته، ولا تهتز فيهم شعرة إن تورط ابنهم في سرقة أرض أو تسبب في خسائر ضخمة في مساهمات مالية مشبوهة؟!
ولا أفهم كيف يصف بعضنا من يسرق ويخون أمانة وظيفته بـ«الذيب»، فيما يوصف الأمين النظيف بـ«الدجاجة»!
أم أن الكبار إن سرقوا ساعدوا على تبرير سرقات الصغار؟
من أسس لثقافة الفساد التي جعلت بعضنا يتماهى مع الفساد أو يتعامل معه على أساس «فساد مقبول» و«فساد غير مقبول»؟ المسألة هنا مسألة «مبدأ». ولكنه مبدأ لا يمكن رعايته وحمايته بدون قوانين وأنظمة تعاقب الفاسد الأكبر قبل الأصغر.
أما أن يكون الفساد حلالاً على البعض حراماً على البعض الآخر فطبيعي جداً أن يتشتت المجتمع في تعاطيه مع الفساد، يرفض قليله ويغض الطرف عن كثيره!
نشرت هذه المادة في صحيفة الشرق المطبوعة العدد رقم (١٠٥) صفحة (٣٦) بتاريخ (١٨-٠٣-٢٠١٢)