الفنون… طريقنا للإبداع والابتكار – هدى الخميس كانو

أخبار

“روح الدار… إبداعٌ وابتكار” كان شعار الدورة الحادية عشرة لمهرجان أبوظبي 2014 الذي اختتمت فعالياته مؤخراً واستضاف نخبة من الفنانين المبدعين من مختلف أنحاء العالم نالوا إعجاب الآلاف ممن شاركوا في عشرات الفعاليات، وتفاعلوا مع العديد من الأعمال الفنية المبتكرة. وبالفعل تميزت دورة هذا العام من المهرجان بالكثير من الإبداع والابتكار. كما حفلت بالعديد من المواهب الفنية الإماراتية التي أضفت (روح الدار) على فعاليات المهرجان الذي تنظمه سنوياً مجموعة أبوظبي للثقافة والفنون.

يتساءل البعض عن العلاقة بين الفنون بمختلف أشكالها من جهة والإبداع والابتكار في المجالات المختلفة من جهة أخرى. يعلمنا الواقع ودروس التاريخ أن الابتكار في المجالات المختلفة نادراً ما يتحقق في الأماكن التي لا تتوافر فيها أدوات الثقافة بكل مدارسها وأنماطها الفنية من موسيقى، مسرح، أدب، شعر ورواية.

بينت دراسة حديثة أجراها مجموعة من علماء الاجتماع في ولاية أركنساس الأمريكية وشملت نحو 11 ألف طالب تم اختيار نصفهم عن طريق القرعة لزيارة متحف جديد تم افتتاحه في منطقة لم يكن بها متاحف من قبل، أن الطلاب الذين زاروا المتحف وتفاعلوا مع ما يقدّمه من معرفة فنية وثقافية، أظهروا الكثير من المهارات مقارنة بنظرائهم الذين لم يزوروا المتحف. ومن بين المهارات التي اكتسبها الطلاب التفكير النقدي، ومستويات أعلى من التسامح الاجتماعي، بالإضافة إلى اتساع مداركهم. وأوصت الدراسة بأن تكون الفنون جزءاً أساسياً من المناهج المدرسية.

صدق المغفور له بإذن الله الأب المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله حين قال: “سوف تعيش أجيال المستقبل في عالم يختلف كثيرا عن العالم الذي تعودنا عليه. ومن الضروري أن نهيئ أنفسنا وأبناءنا للعالم الجديد.”

حينما نعلم أطفالنا الفنون بجميع أشكالها من فنون أداء وفنون تشكيلية وتعبيرية وغيرها، فإننا نساعدهم على أن يأخذوا فرصتهم في الإبداع، ونصقل قدراتهم على الإبتكار. وحينما يكون عشقهم للفيزياء مساوياً لحبهم للموسيقى وعندما يكمل اهتمامهم بالهندسة إعجابهم بالفنون، عندها نصبح مجتمعاً قادراً على أن تكون “ريادة الأعمال” من ابرز مميزاته وإهتماماته، فالفنون تلعب دوراً رئيساً في تنمية الرؤية الجمالية لدى الفرد والإسهام في تأكيد الذات والشعور بالثقة في النفس. نحن بحاجة إلى تطوير المنظومة التعليمية لتشمل تدريس الفنون بمختلف أنواعها بصورة جادة لتعزيز قدرات أبنائنا على الإبداع والابتكار.

يعتقد الكثير أن معظم من يعملون في وادي السيلكون في الولايات المتحدة هم من المهندسين واختصاصيي تقنية المعلومات، والمهتمين بالتقنية بشكل عام، وأنّ المتفوّقين في الرياضيات والعلوم هم وحدهم الذين يمتلكون القدرة على الابتكار. غير أن الدراسة التي أجراها فيفيك وادوا، الباحث في جامعات كاليفورنيا، وهارفارد، وديوك، وجدت أن الكثير من هؤلاء المبتكرين والمبدعين الذي يبهروننا كل يوم باختراعات كانت بعيدة حتى عن مخيلتنا قبل بضع سنوات، يحملون درجات علمية في الفنون والعلوم الإنسانية.

وتعد شركة “أبل” خير مثال لأهمية دمج الابتكار والفنون مع العلوم، ففي كلمته أمام مؤتمر أبل العالمي للمطورين، قال الراحل ستيف جوبز مؤسس الشركة: “نحن لسنا مجرد شركة تعمل في مجال التقنية، على الرغم من أننا نقدم بعض أفضل المنتجات التقنية في العالم. وإنما تزاوج التقنية مع العلوم الإنسانية والفنون الحرة هو أهم ما يميز شركة أبل”. كما كان ألبرت آينشتاين، أحد أعظم علماء العصر عازفاً على الكمان، مولعاً بالموسيقى، ومن أقواله “إن الموسيقى هي الرياضيات فبغير الرياضيات لا موسيقى وبغير الموسيقى لا إحساس بجمال الرياضيات”. وكان ليوناردو دا فينشي رساماً ومهندساً وكاتبًا ومسرحيًا وعالم تشريح وموسيقياً.

تشجع دولة الإمارات العربية المتحدة الشباب على الدخول إلى مجال ريادة الأعمال، وتسعى العديد من المؤسسات إلى تزويد رواد الأعمال الجدد بالخبرات الأكاديمية والعملية اللازمة لتنمية مهاراتهم في هذا المجال مثل كيفية وضع خطط العمل وتعلم المحاسبة المالية والإدارية والتسويق وإدارة العلاقات وغير ذلك من أساسيات إدارة الأعمال. كل هذا ضروري ومطلوب، ولكن لكي تكون صاحب مشروع ناجح ومتميز، ليس على المستوى المحلي فقط وإنما قادراً على التنافس في الأسواق العالمية، عليك أن تتحلى بصفات عديدة منها الإبداع والخيال الواسع، والمغامرة، والمرونة، وغير ذلك من مهارات تساعد على الابتكار وتعزيز الروح الخلاقة، وهي مهارات يمكن اكتسابها عبر الانفتاح على ثقافات العالم والاطلاع على خبراتهم الإبداعية عبر العصور، ومقاربة أفضل الممارسات عالمياً.

بفضل القيادة الرشيدة لدولة الإمارات العربية المتحدة، ورؤيتها الطموحة، فإننا اليوم في طليعة السباق العالمي نحو الإبتكار. إننا نبني مستقبلاً عظيماً ونعيد صياغة نظامنا التعليمي لينسجم مع تحديات الغد الفكرية والعلمية. ولكن التحدي الذي نواجهه يتمثل في دمج كل هذه المجالات معاً لتشكيل منظومة حيوية لمجتمع نابض بالحياة والإبداع، منظومة متكاملة تتفاعل فيها الفنون والتقنية والصناعة والعلوم لتسهم في تشكيل المجتمع المنتج والفاعل.

في النهاية لا بد لنا أن نفهم أنّ حافز الانسان المبدع العبقري هو عشقه للمعرفة ونهله من عالمي الفن والعلوم، وأنّ قوةَ الإمارات وعظمتها تكمنان في الحلم الذي يتحقق على أيدي شباب الوطن، جيل المستقبل، الذين يجعلون قلوبنا تغنّي حباً، والذين يُثرون غدَنا بفكرٍ مبدعٍ حرٍّ متجدّد.

المصدر: الاتحاد