مؤسسة ومدير ة دار ورق للنشر في دبي وكاتبة عمود صحفي يومي بجريدة البيان
القاهرة مدينة لا تشبهها مدينة أخرى، ليست أفضل ولا أسوأ، لكنها مدينة مختلفة، قد تختلف مع أشياء فيها، قد لا تعجبك في بعض أوجهها، قد تتبرم وقد.. وقد.. لكنك إذا أتيتها محباً غادرتها عاشقاً، ولن يطول بك الوقت فتحن إليها وتعود، لتصير شرياناً من ملايين الشرايين التي تجري في قلب القاهرة قبل أن تذوب مع السائرين في شوارعها وطرقاتها وداخل مقاهيها ومتاحفها و…
القاهرة مدينة قيل فيها ما لم يقله مالك في الخمر، وما لم تقله قصائد الحب ولم تغنه حناجر كبار المغنين والمغنيات، لقد كتب الشرقيون والغربيون والمستشرقون عن مصر، عن حضارتها وإرثها وتراثها وثقافتها وحكامها وخفة روح الإنسان في بر مصر، فكانوا لا يؤرخون ولا يمدحون بقدر ما يكتبون بحثاً وتفتيشاً عن سر القاهرة، سر مصر، ولقد شغلني سؤال حول مصر طويلاً وفكرت في كتاب يجيب على السؤال: من صنع الآخر؟ من أتى أولاً الإنسان المصري أم مصر؟ مصر هبة النيل أم أن النيل هبة مصر؟
للإنسان المصري طبيعة لا تخطئها العين ولا تلتبس حولها الأذن، تلتقط لهجته سريعاً وسط مئات اللهجات، وتتعرف عليه بسهوله قبل أن يتحدث، ولعل هذا المصري سليل الحضارات وليس الحضارة الواحدة فقط هو قبل أي أمر آخر من يربطك بالقاهرة، فالمدن بأهلها، ولذلك نقول «مصر منورة بأهلها» إذا صادقت أو أنست من جانب أهل مدينة خيراً ولطفاً وترحيباً وكرماً فإنك تشعر بحالة واضحة من الحميمية والأمان يربطانك بها، حيث لا شيء يجعلك تأنس مدينة غير مدينتك وتحبها إلا إذا كان لك فيها بيت أو كان لك صديق، فالصديق بيت حقيقي!
إذا كنت في القاهرة وجمعتك طاولة في مطعم أو مقهى أو مكتبة.. فإنه من الطبيعي أن يجتمع حولها المصري والخليجي والفلسطيني والعراقي و…. يتعارفون كلهم للمرة الأولى لكنهم يستشعرون بخيط صداقة قديم يربط بينهم.. وتلك واحدة من أسرار القاهرة، القادرة على تكوين الصداقات ونسج الحكايات بمنتهى البساطة!
المصدر: البيان