كاتب وإعلامي سعودي
في هذا البيت للمتنبي (إذا كان بعض الناس سيفاً لدولة… ففي الناس بوقات لها وطبول)، يقدم الدكتور غازي القصيبي لكتابه بعنوان «أميركا والسعودية.. حملة إعلامية أم مواجهة سياسية»، ويقول القصيبي إن الشاعر المتنبي تنبه منذ أكثر من ألف سنة إلى العلاقة المفصلية بين السياسة والإعلام. والمؤلف يشرح ظروف تأليفه هذا الكتاب على خلفية أحداث 11 سبتمبر وما طرأ من سوء تفاهم بين أميركا والمملكة، فبدلاً من معالجة ما طرأ من إشكالية بين الجانبين بالطرق الدبلوماسية المعتادة، فوجئت الرياض بحملة إعلامية أميركية غير مسبوقة في ضراوتها.
الكاتب يناقش العلاقة بين الصحافي الغربي والسياسي في بريطانيا وفرنسا وأميركا وفي الدول الغربية الأخري، فلا يوجد في حياة الصحافي الغربي أهم من المعلومة، وبقدر ما تزيد أهمية هذه المعلومة وسريتها ومركز مقدمها تزيد إمكانية وأهمية السبق الصحافي، والتساؤل المشروع حول هذه الجزئية المهمة بين الصحافي والسياسي في الغرب على أي أساس تبنى ولماذا نجد الجهود العربية في اختراق الساحة الإعلامية ضعيفة أو شبه معدومة، على رغم الجهود التي تبذلها بعض الدول لإيصال صوتها وتصحيح صورتها في تلك المجتمعات، فمسألة العلاقة بين الصحافي الغربي والمسؤول البريطاني مثلاً، أن ذلك السياسي البريطاني لا يتحدث مع أجنبي غريب كما يقول المؤلف، ولكن مع صديق يعرفه من أيام الدراسة، وهنا لا بد من وقفة للعلاقة غير الرسمية التي تربط بين أعضاء المؤسسات الفاعلة في الغرب، في بريطانيا هناك رابط الزميل القديم وتسمى بالإنكليزية Boy Network Old هذه الرابطة تقوم على العلاقة الدراسية، لا تعترف بفوارق حزبية أو دينية أو اجتماعية، أبناء الدفعة الواحدة من خريجي أكسفورد أو كامبرج يشعرون بألفة روحية قوية، على رغم المواقع المختلفة التي يحتلونها، فبعضهم في الحكومة والآخر بالمعارضة، ومنهم من هو في القضاء أو في المال والأعمال. وفي فرنسا تلعب الكليات العليا، كلية الإدارة مثلاً، الدور نفسه. وفي الولايات المتحدة الأميركية هناك الكثير من التجمعات الدراسية وغيرها، التي تلعب الدور نفسه في علاقة هؤلاء الخريجين مع بعضهم، ومنها العلاقة بين الصحافي الغربي ونظيره الدبلوماسي، الذي قد يكون مصدراً مهماً للمعلومة.
مثل هذه العلاقات الروحية القوية هناك هي حقيقة يتناساها العرب حين ينسبون كل نفوذ سياسي في الغرب للوبي اليهودي، ويؤكد القصيبي أن تلك اللوبيات ومنها اليهودي تحرص على الاستفادة الكاملة من هذه الروابط غير الرسمية، ويطرح القصيبي أن مهمة إقامة علاقة ذات صدقية مع الصحافي الغربي من الجانب العربي مهمة صعبة ولكنها غير مستحيلة، بوسع أي عاصمة عربية أن تفتح أبوابها لمراسلي الصحف ووكالات الأنباء الغربية، وأن تحيط هؤلاء بجو من الحرية والاطمئنان يمكنهم من التحرك بلا ظل، وأن تكلف نخبة من المسؤولين المؤهلين بالتواصل الدائم مع هؤلاء الإعلاميين، حتى تتكون مع الزمن ألفة تضفي بعض الصدقية على ما ينقله ذلك المسؤول العربي للصحافي الغربي.
مثل هذه التساؤلات المشروعة، التي طرحها الراحل غازي القصيبي عن حال الضعف الإعلامي العربي، ومحاولات اختراق تلك المجتمعات وتغيير صورتنا النمطية السلبية، لا يمكن أن تتم من دون أن يكون هناك إصلاح ديموقراطي سياسي عربي، وهو يؤكد أن الإعلام العربي لن تقوم له قائمة في غياب ذلك.
المصدر: الحياة