أعرف أن من قالها أولاً لم يقصدها حرفياً. مخطِئ من يظن أن “الكتاب يقرأ من عنوانه”! تلك -قطعاً- قراءة ناقصة،
إنها مثل الحكم على شخص نقابله للمرة الأولى. انطباع اللقاء الأول كثيراً ما يضللنا حتى وإن صادف أحياناً أن كان في محله.
الأفكار تُقرأ بالعقل لا بالمشاعر وحدها. بعضنا يحكم على قضايا مهمة من خلال عناوينها. تماماً مثل من يقرأ الكتاب من عنوانه. الكتاب لا يقرأ من عنوانه إلا في المجتمعات المستعجلة في أحكامها. إنها مثل الفرد الكسول، لا يريد إشغال عقله ووقته بالقراءة والدراسة والبحث قبل الوصول لنتيجة. تلك هي ثقافة “النتيجة السريعة”. ننتقد الغرب كثيراً لإنتاجه ثقافة “الوجبة السريعة” وننسى أن فينا من ينتمي لثقافة الخلاصة السريعة.
الوجبة السريعة تفضي إلى أمراض جسدية ونفسية كثيرة. وكذلك هي ثقافة الخلاصات والنتائج السريعة. إنها تنتج مجتمعات كسيحة فكرياً، أمراضها الثقافية والحضارية تجرجر أصحابها من هزائم فكرية إلى قائمة طويلة من هزائم سياسية وفنية ورياضية لا يُعرف أين تنتهي.
ومن قال إن عنوان المقال هو المقال كله؟ ولو كنا نجتهد في قراءة الأفكار والآراء مثلما نهدر أوقاتنا في قراءة النوايا وتحليلها؛ لكُنّا اليوم في مكانة حضارية تعيش يومها لا أمسها.
إننا أمة تحب الإجابات السريعة. لا نريد أن نثقل على عقولنا بالتفكير والتأمل والسؤال والبحث. شخص ما، على الشاشة الصغيرة، يقدم لنا الإجابات الشاملة، في كل صغيرة وكبيرة، ونحن جالسون مع العائلة على كنبة وثيرة. نستعير الأحكام على الأفكار والتجارب والأمم الأخرى من خلال من كتبنا له وكالة حصرية للتفكير نيابة عنا وتقديم “الخلاصة” لنا على طبق من جهل وكسل!
عليك هنا أن تسأل وتلح في ذات السؤال: لماذا تفوقوا وزاد تخلفنا؟
نشرت هذه المادة في صحيفة الشرق المطبوعة العدد رقم (٩٦) صفحة (٣٦) بتاريخ (٠٩-٠٣-٢٠١٢)