بعد شهور قليلة من انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991، أعلن الرئيس الاسرائيلي الحالي شمعون بيريز أن “الاسلام هو العدو الجديد للغرب لأنه ينطوي على نفس الطبيعية الشمولية للشيوعية”. قليلون إستوقفتهم تلك العبارة في البلدان العربية والاسلامية وفهموا مدلوها جيداً. الآن ومن غبار معركة الفيلم المسيء للنبي محمد (ص)، تشخص تلك الكلمات من جديد بقوة في الافق.

لقد حكمت تلك العبارة وطبعت بقوة مجريات الأحداث من العام 2001 وحتى العام 2011. لقد كانت هجمات 11 سبتمبر هدية وكان بيريز مبتهجاً دون شك وهو يرى الحرب المتنامية ضد من إعتبرهم “اعداء الغرب” الجدد. فالحرب العالمية ضد الإرهاب التي دشنها جورج دبليو بوش بعد الهجمات بقليل ضد تنظيم “القاعدة”، تحولت بالنهاية الى حرب ضد الاسلام نفسه.

وفي مسعاهم لفهم دوافع الغضب والتطرف لدى الشبان المسلمين، ذهب مؤرخون واكاديميون وباحثون غربيون عميقا في البحث لكن بافكار نمطية جاهزة مسبقاً قادت بالنهاية الى أن يصبح الاسلام نفسه هو المتهم. لقد عكست تلك المفاهيم النمطية نفسها (وبغباء شديد) في  ضغوط مارستها ادارة بوش ضد الحكومات العربية لتغيير المناهج الدراسية، خصوصا مناهج التربية الدينية وشطب كل الآيات القرآنية التي تضم مفردة “الجهاد”. باختصار شديد، اصبح الاسلام تحت المجهر، لكن الاهداف كانت استراتيجية: ان الغرب لا يمكنه التعايش مع العالم الاسلامي”. هدف يعيد التذكير بأن صمويل هنتغتون ونظريته حول “صدام الحضارات” على صواب.

يظهر التاريخ ان الامبراطوريات والدول العظمى تحتاج للأعداء دوماً. فالعداوات هي الغراء الذي يشد الامبراطورية الى بعضها والمبرر الاقوى لشن الحروب الامبريالية ضد الآخرين للابقاء على الثروات والدول تحت الهيمنة دوماً. تذكروا انه في خضم هذه الاجواء المعادية للاسلام، شنت الولايات المتحدة حربيها ضد افغانستان والعراق في 2001 و2003 على التوالي.

وبنهاية العام 2004، دفعت المصالح والمصالح وحدها ادارة دبليو بوش لإجراء بعض التسويات وابتعلت مطالبها ودعواتها للاصلاح والدمقرطة في العالم العربي. وفي السنوات التالية، تبلورت مناظرة جديدة لدى مراكز الابحاث الامريكية والطبقة السياسية في امريكا تدور حول هذا السؤال: “هل بإمكان الولايات المتحدة ان تحظى بعلاقات وروابط طبيعية مع حكومات عربية يقودها الاسلاميون؟”. لقد كان السؤال يحوم الاخوان المسلمين الذين بدوا أنهم القوة المعارضة الوحيدة أمام الانظمة في بعض (ان لم يكن جميع) الدول العربية. إكتسب ذلك السؤال أهميته الحاسمة بعد تطورين بارزين في العام 2005، عندما تمكنت حركة المقاومة الاسلامية (حماس) من الفوز بغالبية مقاعد المجلس الوطني الفلسطيني وفوز الاخوان المسلمين المصريين بـ88 مقعداً في انتخابات مجلس الشعب المصري.

وبعد قليل من تلك الانتخابات، كان جون اسبوزيتو وغراهام فوللر الخبيرين البارزين بشؤون العالم العربي والاسلامي والتطرف والمسؤولين السابقين في الخارجية الامريكية، أول من أعلن أن الولايات المتحدة يمكنها التعامل مع حكومات عربية يقودها اسلاميون وإعتبرا ان علاقات مثل هذه ستكون في صالح الولايات المتحدة. لكن إدارة دبليو بوش تبنت الموقف الاسرائيلي من إرادة الناخبين الفلسطينيين الذين اوصلوا حماس الى السلطة عبر اكثر الانتخابات العربية نزاهة وقتذاك.

وعلى اية حال، فان إدارة الرئيس باراك اوباما تبنت نصيحة اسبوزيتو وفوللر على ما يبدو باطلاقها سياسة جديدة حيال العالم العربي والاسلامي قائمة على التفهم واحترام قيم الاسلام خصوصا عندما اذهل اوباما جمهوره في جامعة القاهرة بخطابه الملهم عام 2009. لم يتأخر الدليل مع ثورات الربيع العربي، عندما ساندت ادارة اوباما بقوة عملية انتقال السلطة في تونس ومصر التي اوصلت الاخوان المسلمين لحكم كلا البلدين.

هناك قائمة طويلة من الذين لا تسعدهم علاقة طبيعية او دافئة بين واشنطن والحكومات الجديدة في الدول العربية التي يقودها الاخوان المسلمين، لكن من بين هؤلاء كلهم فان الاسرائيليين هم أكثر من تقلقهم وتغضبهم علاقات مثل هذه.

أن الفيلم المسيء للنبي محمد (ص) لا يستحق ثانية واحدة من الاهتمام، فالخمسة ملايين دولار التي جمعت من أجل صنع هذا الإسفاف، تم جمعها لهدف آخر هو إستجلاب ردود فعل من العرب والمسلمين عبر الاستفزاز بالاساءة الى نبينا العظيم. ردود فعل تثبت من جديد ان الغرب لا يمكنه التعايش مع العالم الاسلامي. لقد كان فخاً معداً وغالبيتنا وقع فيه.

ان مهاجمة السفارات وقتل الدبلوماسيين واحراق مدارس امريكية وتمزيق نسخ من الانجيل، هي بالضبط ما سعى اليه وأراده صناع الفيلم ومن يقف ورائهم. الأفعال التي تنعش وتحي كل تلك الاجواء المعادية للاسلام التي إنبعثت بعد هجمات 11 سبتمبر.

إن اهدافاً مثل هذه (ضرب أي تقارب بين الغرب والعرب) ظلت على جدول أعمال الاسرائيليين لعقود طويلة، وبالتأكيد هم أكثر المبتهجين الآن في الشرق الاوسط وهم يتابعون العرب والمسلمين يعملون – دون وعي- بإثبات ما قاله شمعون بيريز قبل 21 عاماً.

نقلا عن صحيفة “Gulf News”.