باحث إماراتي
تستعد إيران مع بداية عامها الجديد (يبدأ 21 مارس من كل عام) لعقد مؤتمر لا يمكن النظر إليه بعيداً عن سياقه الزمني والظرفي. فما تشهده إيران بعد توقيع الاتفاق المبدئي مع مجموعة 5+1 حول برنامجها النووي وتهافت الشركات الأجنبية لنيل حصتها من السوق الإيرانية الكبيرة، يدفع للقول إن هناك توجهات إيجابية في الداخل الإيراني لمستقبل العقوبات المفروضة عليها والآمال المعقودة على ذلك الاتفاق لرفعها.
نسير مع القارئ هنا لعرض أبعاد وتصورات هذا المؤتمر وكيف أن للسياق الزمني والظرفي دوره في فكرة إقامة هذا المؤتمر.
بداية أشار بهروزيفر نائب رئيس اتحاد اقتصاد الطاقة الإيراني أنه وبالنظر إلى التوجهات التنموية في سياسات الطاقة الإيرانية، يعتزم هذا الاتحاد إقامة مؤتمر دولي في قطاعي النفط والطاقة. وإقامة مثل هذا المؤتمر تؤكد اهتمام النظام الإيراني بهذا القطاع نظراً لـ:
1- أهمية قطاع النفط وما يشكله من رافد رئيسي للاقتصاد الإيراني حيث لا تزال خزانة الحكومة تعتمد في عوائدها على قطاع النفط بنسبة 85%.
2- يعتبر هذا القطاع العامل الرئيس في تأثر النظام الإيراني بالعقوبات الاقتصادية. فالعقوبات الاقتصادية على إيران تزامنت مع الثورة الإيرانية عام 1979، ولكن ظل النظام الإيراني متعايشاً معها وقادراً على الالتفاف عليها إلى أن جاءت العقوبات القاسية على قطاع النفط.
3- إدراك النظام الإيراني ما يشكله هذا القطاع وما تختزنه إيران من احتياطات من النفط والغاز من أهمية لدى الشركات النفطية الكبرى وقطاع الاستثمار.
وبالتالي يصبح هذا القطاع الوجهة الرئيسية للنظام الإيراني لتطويره والسعي لجذب الاستثمارات إليه. ولذا أكد بهروزيفر أنه ووفقاً للأهداف بعيدة الأمد فإنه سيتم استثمار نحو 200 مليار دولار في قطاع صناعة النفط الإيرانية. ويأتي هذا المؤتمر بوصفه فرصة لزيادة الاستثمارات في قطاعات صناعة النفط والغاز والبتروكيماويات والطاقة الكهربائية.
ومثل هذه الفرصة من الصعوبة أن تغض الشركات العالمية الكبرى الطرف عنها، وهو ما يؤكده أمين عام هذا المؤتمر حين أشار إلى أن شركات نفطية دولية كبرى أبدت استعدادها للمشاركة في هذا المؤتمر. وهذا الأمر يعطي مؤشراً واضحاً على أن رغبة النظام الإيراني في تطوير هذا القطاع وعودته لتعزيز الاقتصاد الإيراني، تسير بشكل متوازٍ مع رغبة وطموح الشركات الغربية في نيل حصتها من السوق الإيرانية. ولطالما ظلت شركات قطاع النفط الأميركية تمارس ضغوطاً على الحكومات الأميركية المتعاقبة سعياً لعودة الاستثمار في القطاع النفطي الإيراني.
وهذه الرغبة المشتركة تدفع إلى عقد مثل هذا المؤتمر ليمهد الأرضية كما يرى بهروزيفر لعودة شركات النفط الأجنبية إلى قطاع صناعة النفط الإيرانية. كما أن تمهيد هذه الأرضية لا يمكن أن يكون بمعزل عن التطورات الإيجابية الحالية. فاتفاق جنيف بين إيران و5+1 فتح كما يرى بهروزيفر آفاقاً دولية جديدة أمام صناعات النفط والغاز والبتروكيماويات في إيران. فالبدء برفع العقوبات عن قطاع البتروكيماويات مع بدء تنفيذ بنود الاتفاق ساهم في نشاط هذا القطاع وتوجه الاستثمارات الحكومية فيه.
والحقيقة أنه وبالرغم من المساعي الحثيثة من قبل الذراع الاقتصادي للحرس الثوري المتمثل في مقر خاتم الأنبياء الهندسي، لسد فراغ خروج الشركات العالمية عن قطاع الصناعة النفطية في إيران، إلا أن الحاجة للتكنولوجيا المتقدمة في قطاع النفط بالإضافة إلى قطع الغيار حالت دون مقدرة الحرس الثوري في ذلك.
هذا الأمر بدوره يتطلب تضافر جهود المؤسسات الرئيسية في النظام الإيراني لعودة الانتعاش لهذا القطاع. ولما كان هذا الأمر لا يمكن فصله عن الخارج فقد أعلن الأمين العام أن هذا المؤتمر سيعقد بمشاركة وزارتي النفط والخارجية. فالأولى هي المعني الرئيسي بنتائج وأهداف هذا المؤتمر، أما الأخيرة فتأتي لتلعب دورها في الترويج له عبر القنوات الدبلوماسية.
وهذا الترويج لم يكن بمعزل عن جهود حكومة الرئيس الإيراني السيد حسن روحاني وفريق عمله. فخلال الزيارات التي قام بها وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى كل من اليابان والهند وتايلاند وغيرها من الدول أعلن أن بلاده بحاجة إلى استثمارات أجنبية في قطاع البتروكيماويات تقدر بـ75 مليار دولار، بينما يحتاج قطاع النفط والغاز الإيراني إلى 100 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية.
وهذا الأمر يؤكده وزير النفط الإيراني بيجن زنجنه بقوله إن الحكومة الإيرانية تسعى لاستقطاب 75 مليار دولار لكي تتمكن من رفع قيمة الإنتاج إلى 55 مليار دولار على أن تكون 70% من هذه الاستثمارات بتمويل أجنبي والنسبة المتبقية من تمويل القطاع الخاص.
وأهمية قطاع النفط والغاز والبتروكيماويات وما يشكله من أهمية كبيرة لإيران دفعت بأن لا يفوت الرئيس الإيراني حسن روحاني فرصة مشاركته في منتدى «دافوس» الاقتصادي للإشارة إلى عزم حكومته إعادة النظر في عقود النفط بحيث تكون مستقطبة وجاذبة للاستثمار والشركات الأجنبية.
ولاشك أن مثل هذه الخطوات تعكس الرغبة الإيرانية في استثمار الأجواء الإيجابية التي صاحبت الاتفاق المبدئي مع 5+1، وهي أجواء ظهر صداها واضحاً في عدد من الزيارات المتلاحقة من قبل العديد من الغربيين سواء في صورة زيارات برلمانية أو زيارات مسؤولين حكوميين أو على مستوى ممثلين لشركات أجنبية. ولاسيما زيارة ممثلي 100 شركة فرنسية.
ومن الواضح أن مثل هذه الزيارات ستسير بخطى حثيثة يعززها التشجيع الإيراني، والسوق الإيرانية ذات الطبيعة الجاذبة للاستثمار.
ويبقى مصير هذه الخطوات وتحقق نتائجها خاصة في قطاع النفط مرهوناً بمدى استمرار والتزام طرفي اتفاق البرنامج النووي الإيراني بتنفيذ ما هو مطلوب منهما، فرفع العقوبات عن قطاع النفط الإيراني، لن يتأتى إلا مع الاتفاق النهائي الذي يواجهه العديد من الصعوبات. وما يدفع إلى تعقيد الأمور أكثر هو مناقشة جوانب أخرى بعيدة عن البرنامج النووي الإيراني وربط رفع تلك العقوبات بها، ومنها برنامج الصواريخ البالستية الأمر الذي يعتبر من الخطوط الحمراء لدى النظام الإيراني.
المصدر: الإتحاد