في إحدى دورات الحوار الوطني، شاركت في دورة حملت عنوان «نحن والآخر». وكنا نبحث في آليات التواصل والحوار مع الآخر. كانت مداخلتي الأولى سؤالاً عن كيفية الحوار مع الآخر في زمن يتهم فيه من يسعى لفتح قنوات حوار إيجابي مع الآخر بالعمالة للخارج. تريدون منا أن نتواصل مع الآخر وحينما نفعل نُتهم بأننا عملاء لأمريكا وللغرب؟! واليوم، ونحن بأمس الحاجة لمتخصصين يفهمون في الشؤون الدولية، عن دراية ومعرفة،
كيف نحمي خبراءنا في الشأن الإيراني -مثلاً- من التهم التي توزع على قارعة الطريق كأن نتهمهم بالعمالة لإيران وخيانة الأوطان؟ ماذا عمن يجيد اللغة العبرية -وكم نحن مقصرون ومتأخرون في فهم ما يجري في الداخل الإسرائيلي- كيف نحميه من الجهلة (من أصحاب النفوذ) ممن سيسارع لقذفه بالعمالة لإسرائيل والدليل أنه يقرأ صحفهم ويتكلم لغتهم ويفهم تاريخهم؟
الجهل مصيبة. لكنه كارثة حينما يعشش في مؤسسات رسمية حيوية. وأنا أتلقى رسائل كثيرة من طلابنا في الخارج -ومن أمريكا بشكل أخص- يسألني أصحابها عن أفضل الطرق للاستفادة القصوى من تجربة الابتعاث. لكنني أخشى عليهم أحياناً من نصائحي. فإن نصحتهم بالتفاعل الإيجابي مع أنشطة الجامعة وفعالياتها، والمتابعة الدقيقة لما يبث في إعلام البلاد التي يدرسون بها، والاحتكاك عن قرب بقضايا المجتمع الذي يعيشون فيه، من أجل فهم أشمل للثقافة السياسية والاجتماعية للبلاد التي يدرسون بها، من يضمن ألا يعانوا ما عانيته من تهم ظالمة جاهلة كاذبة بالعمالة لأمريكا والانبهار بثقافتها والتآمر معها ضد الوطن وأهله؟ ومن يحميهم من بعض زملاء الابتعاث ممن ينشغل متطوعاً بمراقبة الناجحين النشطين من المبتعثين والعمل على تشويه صورتهم لأنه لا يريد لغيره أن يخرج من دائرته الضيقة فيعود لداره مثلما غادرها أو أكثر انغلاقاً في فهمه لنفسه وللآخر؟
كيف لنا أن نقنع الجهات المعنية بالابتعاث أن الحصول على الشهادة الأكاديمية ليس سوى حلقة واحدة في مسيرة المبتعث بحثاً عن المعرفة التي تؤهله لتحديات المستقبل وفرصه؟ وأسئلة أخرى لا تتسع المساحة لسردها.
نشرت هذه المادة في صحيفة الشرق السعودية بتاريخ (١٣-٠٧-٢٠١٢)