كاتب إماراتي
صديقي عبدالله يعاني مشكلة عظيمة، والطامة الأكبر أنه لا يعرف أنه يعانيها، وكم حاولت أن أوضح له هذه المشكلة، إلا أنه يأبى ويستكبر ويصر إصراراً عظيماً على أنه لا يعاني أي مشكلة.
مشكلته في أنه يعمل كثيراً في عمله لدرجة أنه يعود إلى العمل في الفترة المسائية في أغلب أيام الأسبوع، ويتابع الموضوعات المتعلقة بالعمل خارج أوقات الدوام الرسمي، بحيث من النادر أن يكون لديه وقت فراغ، مشكلته أنه يبحث عن الأفكار الجديدة لتطوير أدائه والارتقاء بالجودة في المؤسسة التي يعمل بها.
عبدالله لا يغضب عندما يتم تجاهله في حفلات التكريم، ولا يهتم عندما يجد من هم أقل منه إبداعاً ومجهوداً ضيوفاً مكرمين على مسرح التكريم، ولا يكترث بالحالات التي يحصل زملاؤه فيها على ترقيات استثنائية بسبب علاقتهم بالمدير، بل إنّ جل اهتمامه منصب أولاً وأخيراً على أن يكون الإتقان والإبداع سمة من سمات إنجازاته في عمله.
إنه من النوع الذي يثبت دائماً أنه فاشل بامتياز، وعلى درجة كبيرة من الغباء، هو جاهل بأساليب الدهان، لا يعرف أساليب المراوغة واللف والدوران، لا يجلس مع مدير إدارته يومياً، ولا يجيد طرق فتح الأبواب وغلقها، ولا يعرف كيف يستقبله بعبارات المجاملة التي تفوح منها رائحة النفاق.
هو صامد حتى الآن، ثابت على موقفه، يقابل التهميش بإبداع، والتجاهل بالحضور، هو لا يكل ولا يمل ولا يأبه بجو المحبطين، إنه من النوادر المخلصين لا يتأثر بأحاديث المحرضين، هو شخص لديه مشكلة صعب حلها، مشكلته أنه رجل صاحب مبدأ، يرى أن العمل عبادة، والإخلاص في العمل مبدأ حياة.
ما أكثر من هم من أمثال عبدالله، أعرف البعض منهم، وبالتأكيد تعرفون آخرين مثله لا أعرفهم، هؤلاء من النوادر في الحياة الذين سخروا أنفسهم للعمل، ولم يجدوا أي تقدير، هؤلاء في الحقيقة لا يعانون أي مشكلة، بل المشكلة فيمن فوقهم الذين بخسوا حقوقهم وتجاهلوهم، واعتبروهم آلات تعمل على مدار الساعة لا تستحق أي تقدير.
وإن كنت مديراً ومسؤولاً فتش في كل مؤسسة وفي كل دائرة وفي كل مكان حتماً ستجد واحداً مثل عبدالله، لا تهمل الموضوع كعادتك فمثل هؤلاء لا تعرف قيمتهم إلا بعدما يهربون!
المصدر: صحيفة الإمارات اليوم