الغضب يعمي الأبصار. لا يمكنك أن تتخذ قراراً صحيحاً في لحظة غضب. ردات فعلك وأنت غاضب تأتي تلقائياً غاضبة، قس هذه الحالة الفردية على حالة مجتمع بأكمله، يتراكم الغضب، شيئاً فشيئاً، حتى يتمكن من المجتمع بأكمله فتصبح الأفعال ورداتها تحت سيطرة الغضب. انظر وتأمل ما يحدث في الشارع المصري اليوم.
انظر وتأمل كيف يتعامل الناس في محيطنا مع الرأي المختلف ومع كل فكرة جديدة. في الشارع المصري سيطر الغضب ولم تعد «النكتة» المصرية قادرة على امتصاص غضب الناس وانفعالاتها. الفقر والإحباط وسوء الأحوال زادت من حدة الغضب العام فتاه الرأي العاقل وسط ضجيج الغضب الهادر ولم يجد له هناك مكاناً. وفي مجتمعنا القريب، يبدو الغضب سيد المشهد عند طرح فكرة جديدة أو في حالات الاختلاف في الفكر والرأي، الناس الغاضبة تقرأ الأفكار غاضبة وتكون ردات أفعالها غاضبة، بعضنا من شدة غضبه لا يكمل قراءة الفكرة فيدفعه غضبه لاختزال الفكرة في سطر عابر ينتقل منه إلى خلاصة خاطئة.
اقرأ لغة التعامل مع الرأي المختلف لدى قطاع واسع من أبناء مجتمعنا: شتائم وتخوين وتكفير وتهديد، المجتمع الغاضب كلمة تدفعه نحو اليمين وأخرى تدفعه نحو اليسار. ولا أخطر من أن يسيطر الغضب على حراك المجتمع وانفعالاته؛ إذ يغيب صوت العقل ولا يجد له مكاناً وسط الجموع الغاضبة، لكن امتصاص غضب الناس لا يأتي بالمسكنات من وعود لا تتحقق أو مشروعات تبدأ لكنها لا تكتمل.
فالفرد الذي يصيبه الإحباط من كثرة الوعود الكاذبة أو من تدهور ظروفه، مالية أو وظيفية، لا بد أن يفقد توازنه وقد سيطرت الهموم على فكره وحركته، لا تستغرب منه أن يصرخ غضباً لأصغر موقف يستفزه، وكذلك الشعوب حينما يتمكن منها الغضب!
نشرت هذه المادة في صحيفة الشرق المطبوعة العدد رقم (١٥٥) صفحة (٣٦) بتاريخ (٠٧-٠٥-٢٠١٢)