وام / ساهم المجلس الوطني الاتحادي – الذي عقد أولى جلساته بتاريخ 12 فبراير 1972م – على مدى خمسة عقود في مسيرة البناء والنماء والتنمية الشاملة التي تشهدها دولة الإمارات، حيث حظي باهتمام ودعم كبير من قبل المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان “طيب الله ثراه”، فقد كان يعتبر المجلس أحد المؤسسات الاتحادية التي من خلالها تترسخ وتتجسد مشاركة المواطنين في عملية صنع القرار وفي تنفيذ خطط الدولة واستراتيجياتها، ويتواصل هذا النهج بقيادة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة “حفظه الله” راعي مسيرة تمكين المجلس.
وحدد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان “طيب الله ثراه” في الجلسة الافتتاحية لدور الانعقاد العادي الأول من الفصل التشريعي الأول للمجلس الوطني الاتحادي مهام المجلس ودوره بقوله في أول خطاب له في المجلس : ” في هذه اللحظات التاريخية الحاسمة التي يجتمع فيها مجلسكم الموقر فإن جماهير الشعب على هذه الأرض الطيبة المؤمنة بربها وبوطنها وبتراثها تتطلع إليكم واثقة من أنكم بعون الله ستشاركون في تحقيق آمالها في العزة والمنعة والتقدم والرفاهية”.
وشكل هذا الخطاب محطة بارزة في مسيرة عمل المجلس وفي طبيعة الدور والمهام والنشاط الذي سيقوم به لتحقيق المشاركة الأساسية في بناء مستقبل مشرق وزاهر من خلال تحقيق رؤية القيادة وتطلعات شعب الإمارات.
وحظيت مسيرة العمل البرلماني في عهد صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة “حفظه الله”، برعاية واهتمام وتوجيه ترجمة للبرنامج السياسي الذي أعلنه سموه عام 2005م، لتمكين المجلس الوطني الاتحادي والذي تضمن عددا من المرتكزات من ضمنها: تنظيم انتخابات لعضوية المجلس التي جرت خلال الأعوام 2006 و2011م و2015م و2019، والتي تم خلالها زيادة أعداد الهيئات الانتخابية من ما يقارب سبعة آلاف عام 2006 في أول تجربة انتخابية، إلى 337 ألفا و738 عضوا عام 2019 م لتشهد زيادة تصل إلى 50.58% ، والتعديل الدستوري رقم “1”لسنة 2009م، وتعزيز مشاركة المرأة عضوة وناخبة إلى أن وصلت نسبة عضويتها في المجلس إلى “50 بالمائة” منذ الفصل التشريعي السابع عشر، تنفيذا لقرار صاحب السمو رئيس الدولة “حفظه الله” بهدف تمكين المرأة من المساهمة في عملية صنع القرار.
ويأتي برنامج تمكين المجلس الوطني الاتحادي انطلاقا من إيمان القيادة الرشيدة بأهمية تحقيق مشاركة أوسع وأكثر فاعلية من أبناء الوطن جميعا رجالا ونساء في عملية البناء والتنمية لترسيخ المكاسب والإنجازات التي حققتها الدولة، حيث أعلن صاحب السمو رئيس الدولة في كلمته بمناسبة اليوم الوطني الرابع والثلاثين في الثاني من ديسمبر 2005 : ” إن المرحلة القادمة من مسيرتنا وما تشهده المنطقة من تحولات وإصلاحات تتطلب تفعيلاً أكبر لدور المجلس الوطني الاتحادي وتمكينه ليكون سلطة مساندة ومرشدة وداعمة للمؤسسة التنفيذية، وسنعمل على أن يكون مجلسا أكبر قدرة وفاعلية والتصاقاً بقضايا الوطن وهموم المواطنين تترسّخ من خلاله قيم المشاركة الحقة ونهج الشورى من خلال مسار متدرج منتظم قررنا بدء تفعيل دور المجلس الوطني عبر انتخاب نصف أعضائه من خلال مجالس لكل إمارة وتعيين النصف الآخر بادئين مسيرة تكلل بمزيد من المشاركة والتفاعل من أبناء الوطن”.
وبدأ الفصل التشريعي السابع عشر الحالي بتاريخ 14 نوفمبر 2019م، بعد مرحلة تاريخية جديدة في مسيرة تطور العمل البرلماني في الدولة بما أثمرت عنه التجربة الانتخابية الرابعة التي عكست تمسك القيادة الرشيدة بنهج الشورى سبيلاً لتمكين المواطنين وإشراكهم في تحمل مسؤولية العمل الوطني وفق نهج التدرج برفع نسبة مشاركة المواطنين سيما الشباب، وتطبيق قرار القيادة الحكيمة برفع نسبة تمثيل المرأة في المجلس إلى خمسين بالمائة، حيث يضم المجلس للمرة الأولى في تاريخه نصف الأعضاء من النساء، لتؤكد دولة الإمارات مكانتها في مقدمة الدول من حيث تمثيل المرأة برلمانياً، وحصول المرأة على منصب رئيس المجلس لتصبح الإمارات أول دولة على مستوى المنطقة ترأس فيها امرأة مؤسسة برلمانية وذلك خلال الفصل التشريعي السادس عشر .
وتستند استراتيجية المجلس البرلمانية على مجموعة من المنطلقات الوطنية لتعكس فكر القيادة الرشيدة ومنها برنامج التمكين السياسي لصاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة “حفظه الله” الذي أعلنه عام 2005م، ورؤية دولة الإمارات العربية المتحدة 2021م ومئوية الإمارات 2071م، والمبادئ العشرة لدولة الإمارات للخمسين عاماً القادمة التي تمثل مرجعاً لجميع المؤسسات لتعزيز أركان الاتحاد وبناء اقتصاد مستدام، وتسخير جميع الموارد لمجتمع أكثر ازدهاراً، وتطوير علاقات الدولة الإقليمية والدولية لتحقيق مصالح الدولة العليا، ودعم أسس السلام والاستقرار في العالم، والتوجيهات والتوصيات التي طرحت خلال اللقاءات مع صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي “رعاه الله” وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة ، وأصحاب السمو الشيوخ أعضاء المجلس الأعلى للاتحاد حكام الإمارات، مع السادة أعضاء المجلس في فصله التشريعي السابع عشر.
ووضع المجلس – خلال الفصل التشريعي السابع عشر الذي شهد العديد من الإنجازات واكب خلالها رؤية الدولة وساهم في تنفيذ خططها واستراتيجياتها، وذلك على مدى “28” جلسة أقر خلالها “30” مشروع قانون، وناقش “6” موضوعات عامة، ووجه “85” سؤالا – أهدافا ومبادرات استراتيجية وبرامج مختلفة خاصة المجتمعية منها بما يمكنه من تجسيد الحرص بأن يكون سلطة مساندة ومرشدة وداعمة للسلطة التنفيذية، والعمل بشكل وثيق مع الحكومة لتحقيق السعادة لشعب دولة الإمارات، ودعم مستوى الخدمات التي تقدم له في شتى القطاعات، والمساهمة في تحقيق مؤشرات التنمية المستدامة الشاملة وفق أفضل المعايير العالمية والمؤشرات التنافسية بما يخدم صالح الوطن ورفعة شأنه بين الأمم.
ويجسد تزامن افتتاح دور الانعقاد العادي الثالث من الفصل التشريعي السابع عشر للمجلس الوطني الاتحادي، بتاريخ 24 نوفمبر 2021م، مع احتفالات دولة الإمارات بعيد الاتحاد الخمسين، الدور المنوط بالمجلس في إطار ممارسة اختصاصاته التشريعية والرقابية والدبلوماسية البرلمانية التي يحرص المجلس من خلالها على طرح وجهة نظر الدولة ورؤيتها حيال مختلف القضايا الإقليمية والدولية، ويحشد الدعم والتأييد لها خلال مشاركته في الفعاليات البرلمانية، بما يجسد النهج الذي تأسست عليه دولة الإمارات في تبني نهج التسامح والتعايش والعمل على تعزيز الأمن والسلم الدوليين.
وشهد الفصل التشريعي السابع عشر العديد من السوابق البرلمانية التي جاءت في إطار حرص المجلس على مواكبة رؤية القيادة وتوجهات الحكومة وتطلعات المواطنين، خاصة في ظل الظروف الاستثنائية التي يمر بها العالم ودولة الإمارات وما تتطلبه من إجراءات احترازية لمواجهة وباء كورونا، فقد عقد المجلس وفي سابقة هي الأولى منذ تأسيسه سبع جلسات ” عن بعد”، وناقش وأقر مشروع قانون اتحادي بشأن ضمان الحقوق في الأموال المنقولة في ثلاثة أيام لتعد أقصر مدة يستغرقها مشروع قانون في المجلس والذي ورد من الحكومة بصفة الاستعجال.
كما شهدت ” قاعة زايد التي يعقد فيها المجلس جلساته” أول إعلان لمعالي وزير الصحة ووقاية المجتمع وزير الدولة لشؤون المجلس الوطني الاتحادي، عن الاستراتيجية الوطنية للتعامل مع فيروس كورونا منذ أول مراحل ظهوره، وذلك خلال الجلسة الرابعة التي عقدها المجلس بتاريخ 11 فبراير 2020م، بما يجسد مدى أهمية التواصل والتعاون والشراكة القائمة بين المؤسسات التنفيذية والتشريعية في طرح ومناقشة القضايا الملحة، ويؤكد أن ما نشهده تحت قبة المجلس من مداولات وحوارات ومناقشات شفافة وبناءة توضح أن عملية تكامل الأدوار المنوطة بالمجلس والحكومة تشكل السند الأساسي للمجلس للوفاء بمسؤولياته الوطنية.
وفي إطار حرص المجلس على تفعيل الدبلوماسية البرلمانية الإماراتية بما يواكب توجهات الدولة ورؤيتها حيال مختلف القضايا، حقق المجلس العديد من الإنجازات تمثلت برئاسة الاجتماع الدوري السابع والعشرين للاتحاد البرلماني العربي، والاجتماع الدوري الثالث عشر لأصحاب المعالي والسعادة رؤساء مجالس الشورى والنواب والوطني والأمة بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، الذي عقد ” عن بعد ” بتاريخ 21 يوليو 2020، والفوز بمنصب نائب رئيس البرلمان العربي، ونائب رئيس لجنة الشؤون التشريعية والقانونية وحقوق الإنسان إحدى اللجان الدائمة للبرلمان العربي .
– مساهمة في مسيرة التنمية على مدى خمسة عقود..
وحقق المجلس الوطني الاتحادي الذي عقد “637” جلسة أقر خلالها ” 628″ مشروع قانون تناولت مختلف القطاعات، وناقش ” 333″ موضوعا عاما تبنى بشأنها “362” توصية، ووجه “960” سؤالا إلى ممثلي الحكومة، وأصدر ” 80″ بيانا، واطلع على “1139” معاهدة واتفاقية دولية، ووقع “47” مذكرة تفاهم وتعاون مع برلمانات عربية ودولية، العديد من الإنجازات على الصعيدين الداخلي والخارجي من خلال ممارسة اختصاصاته الدستورية الرامية إلى تحديث وتطوير البيئة التشريعية ومناقشة القضايا التي لها علاقة مباشرة بشؤون الوطن والمواطنين، والتكامل مع سياسة الدولة وتوجهاتها والقضايا التي تتبناها.
وبنت الشعبة البرلمانية الإماراتية هذه الإنجازات على عدد من الأسس المحددة ضمن خطتها التي تضعها للمشاركة في الفعاليات البرلمانية وهي: الحرص على مواكبة توجهات الدولة واهتمامها وتوضيح وجهة نظرها حيال مختلف القضايا والتي من أبرزها :كسب الدعم البرلماني العربي والإقليمي والدولي لقضية الجزر الإماراتية الثلاث التي تحتلها إيران وهي “أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى”، ومواجهة الإرهاب ومكافحته ونبذ التطرف والعنف بكافة أشكاله وصوره وأياً كان مصدره، والتعبير عن التزام دولة الإمارات بالحفاظ على الأمن العالمي والإقليمي من خلال منع انتشار الأسلحة النووية أو التهديد بها وعم أهداف معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، وتعزيز أهداف الأمم المتحدة الإنمائية والجهود الدولية والتعبير عن التزام الدولة بكافة الحقوق الأساسية الخاصة بحقوق الإنسان والقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، تقديم المقترحات التي تتناول القضايا البيئة والصحية والأمنية.
وبهدف تطوير أدائه بشكل مؤسسي أعد المجلس أول لائحة داخلية في الجلسة الثانية للمجلس بتاريخ 1/ 3 / 1972 والتي صدرت في 2 / 5 / 1972 بمرسوم اتحادي رقم 44 لسنة 1972م، ويعد مشروع قانون شعار الإمارات العربية المتحدة أول مشروع قانون يقره المجلس في الجلسة الرابعة 12 / 4 / 1972م، كما يعد موضوع التجاوز عن المؤهلات الدراسية وشغل الوظائف العامة بذوي الخبرة من المواطنين أول موضوع عام ناقشه المجلس في الجلسة الثامنة بتاريخ 29/6/1972م، وكانت أول توصية أصدرها المجلس في 13/4/1972 تتعلق بميزانية الاتحاد لعام 1972م، وأول سؤال وجهه المجلس لمعالي الوزراء كان حول منتسبي قوة دفاع الاتحاد 19/7/ 1972م، وأول مطالبة للمجلس الوطني الاتحادي بتعديل الدستور كانت في الجلسة الرابعة 29/12/1973م.