كاتب وإعلامي من دولة الإمارات العربية المتحدة
تحت عنوان «كيف يمكن التخلص من الاجتماعات المرهقة؟» كتب رون كاروتشي، المؤسس والمدير المشارك في شركة نافالنت، إن الاجتماعات تعد من بين الأنشطة الأكثر إرهاقاً وإحباطاً في أي شركة. فهي تكلف الشركات الأميركية أكثر من 37 مليار دولار سنوياً، وتستحوذ على أكثر من ثلث وقت الموظفين، وعلاوة على ذلك، هي غير منتجة بنظر 71 في المئة من كبار المديرين.
ويستشهد كاروتشي، الذي يعمل مع الرؤساء والمديرين التنفيذيين الذين يسعون إلى إحداث تغيير على مستوى مؤسساتهم والمجالات التي يعملون بها، يستشهد على هذا بتقييم أجرته شركة عالمية للمنتجات الاستهلاكية عمل معها، كشف عن درجة عالية من الاستياء بشأن الوقت الذي تستغرقه الاجتماعات الخاصة واجتماعات الفرق المتعاقبة، بحيث لا يتسنى سوى وقت المساء لأداء العمل المطلوب إنجازه خلال النهار، وذلك وفق ما قاله أحدهم خلال مقابلة معه.
ويضيف: حسبنا الساعات التي تستغرقها اجتماعات المديرين وأصحاب المناصب العليا عبر أقسام الشركة، أي نحو 500 موظف، فتبين أنهم يصرفون أكثر من 57 ألف ساعة سنوياً في الاجتماعات الروتينية المتكررة، ويضاهي هذا 6 أعوام ونصف العام!
تفاصيل كثيرة في المقال، الذي نشرته مترجماً هارفارد بزنيس ريفيو العربية، تجعل منه مقالاً يستحق القراءة، منها ما ذكره أحد الذين قابلوهم في شركة المنتجات الاستهلاكية التي أجرت التقييم، حين قال إن الناس يأتون قبل الاجتماع بثلاثين دقيقة من بدئه، حرصاً على الجلوس قرب المسؤول الذي يريدون أن يشاهدهم الآخرون برفقته.
ويخلص كاتب المقال إلى القول إنه، واستنادا إلى تجربته، فإن عدم خروج الاجتماعات بنتيجة، كان مؤشراً على أنها ما كان ينبغي أن تعقد في الأصل، ولاختبار هذا سأل المجموعات: من سيهتم غيركم في حال توقفكم عن الاجتماع؟ وعندما وجدوا صعوبة في الإجابة، كان ذلك رداً كافياً بالنسبة له.
وختم بنصيحة قائلاً: «إذا أردتم أن تقدموا لشركتكم هدية رائعة توقفوا على الفور عن عقد الاجتماعات الروتينية التي لا ترتقي إلى هذه المعايير. سيكون قراركم موضع ترحيب يأخذ صداه عالياً».
ترى إلى أي مدى ينطبق هذا على الكثير من الاجتماعات التي نشاهدها، ليس في الشركات الخاصة فقط، وإنما في المؤسسات والهيئات والدوائر الحكومية أيضاً؟
«المدير في اجتماع» عبارة تقليدية يسمعها المراجعون دائماً عندما تغلق في وجوههم الأبواب، فيتوجهون إلى مكاتب المديرين والمسؤولين، معتقدين أن المدير وحده يملك الحل، إذا كان ثمة حل، في حين يُفترَض أن يكون الحل في يد أول موظف يقابله المراجع، إذا كان قد توجه فعلاً إلى المكان الصحيح الذي يجب أن ينجز فيه معاملته.
فهل المدير فعلاً في اجتماع، أم أنها طريقة للتخلص من المراجع، مثلما يحدث عندما يتوجه الموظف إلى مكتب مديره، ويعتقد هذا المدير أن الموظف جاء ليعترض على مهامه الوظيفية، أو يطلب ترقية؟
تؤمن الغالبية العظمى من الذين يسمعون تلك العبارة أن الاحتمال الثاني هو الأرجح، ربما عن تجارب سابقة، أو لأن هذه الفكرة هي الأكثر رواجاً، والأقرب إلى نفس طالب الحاجة، الذي ربما يخضع لضغوط نفسية تفرض عليه اتجاهاً يتوافق مع الحالة التي يمر بها، وهي حالة تجعل الأجوبة الأسهل ليست أكثر احتمالاً فقط، وإنما أقرب إلى التصديق والقبول لدى البشر، لكن هذا لا ينفي أن يكون المدير أو المسؤول في اجتماع فعلاً، ليبقى السؤال: هل هذا الاجتماع مهم وضروري، أم هو من ذلك النوع الذي تحدث عنه رون كاروتشي في مقاله؟
لا بد هنا أن نعترف أن بعض الاجتماعات ضرورية ومهمة، فهي علاوة على أنها تتيح الفرصة لطرح الأفكار، ومناقشة سياسة العمل في الشركات والمؤسسات والدوائر، فإنها توفر التواصل بين مختلف المستويات الإدارية في العمل، وتكشف عن مواهب لدى البعض ربما لم تتح لها الفرصة كي تقدم نفسها، وتطرح رؤى تؤدي إلى تطوير العمل، والتخلص من بعض السلبيات التي ربما لا يراها أصحاب المناصب الإدارية العليا، خاصة أولئك الذين لا ينزلون إلى مواقع العمل ليروا على أرض الواقع ما يحدث في الأماكن التي يتولون إدارتها.
هذه الاجتماعات، التي يندرج بعضها تحت مسمى جلسات العصف الذهني، لا يختلف أحد على أهميتها وضرورتها، لأنها تقدم أفكاراً جديدة، وتفرز عناصر يتم تأهيلها لمرحلة التعاقب الوظيفي المطلوب في كل مؤسسة أو شركة أو دائرة، حكومية كانت أو خاصة. هذه النوعية من الاجتماعات يجب أن تبقى، ولكن في الحدود التي لا تستهلك وقت المسؤولين والموظفين، وتستنزف جهود جهات العمل.
بقيت هناك نوعية من الاجتماعات، هي التي تحدث عنها رون كاروتشي، وقدم أرقاماً مذهلة عن الهدر الذي تتسبب فيه من جهة الوقت والمال على حد سواء. هذه النوعية من الاجتماعات هي الأكثر انتشاراً في أوساط العمل مع الأسف، وهي مرهقة للجميع فعلاً، عدا أولئك الذين يتصورون أن كثرة الاجتماعات دليل صحة، وأنها جزء من «البرستيج» الوظيفي لا يمكن الاستغناء عنه.
نحمد الله أن الفكر الإداري لدى قيادتنا في دولة الإمارات متطور، يؤمن بأن الإنجاز على أرض الواقع هو الأساس، وأن كل ما عدا ذلك مكملات يمكن التخفيف منها، أو الاستغناء عنها. ومن أراد أن يستزيد، فليقرأ كتاب «رؤيتي» لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، ففيه خلاصة الكلام وزبدته.
المصدر: البيان