مؤسسة ومدير ة دار ورق للنشر في دبي وكاتبة عمود صحفي يومي بجريدة البيان
حين تسافر إلى مدينة كبرشلونة لأول مرة، ستكون محظوظاً حين تحظى بغرفة واسعة، تتوافر فيها شرفة تطل على الشارع، وها أنذا أقف في هذه الشرفة، بعد نهار طويل وشاق من السفر، نعم السفر مشقة، لكن بعض المتع العميقة لا تكون بين يديك، ما لم تعبر طريق المشقة ذاك، تلك هي معادلة الحياة الثابتة.
برشلونة تضع بصمتها على كل شيء، ابتداء من واجهات الفنادق، وحتى الشرفات الصغيرة، سألت موظف الاستقبال عن بعض التفاصيل: اسم الفندق، رائحته التي لا تقاوم، ركن القهوة والشاي والمخبوزات، قال لي مبتسماً بتحفظ: كل شيء هنا يعود للتقاليد الكاتالونية، ابتداء باسم الفندق: كاتالونيا، وانتهاء بكل ما نستخدمه، منتج ومصنّع محلياً من الخامات والموارد الطبيعة لكاتالونيا.
وقفت طويلاً أتأمل الشارع الطويل الغارق في الأضواء، والمزدحم بالسيارات، قلت لنفسي: إنه ككل شوارع المدن في العالم، لا يختلف عنها في شيء، والحقيقة أن كل شيء وكل شخص لا تعرفه، يعتبر عادياً جداً وشبيهاً بأي شيء مر بك في حياتك، ووحدها المعرفة، والاقتراب، تزيل قشرة الغموض والحالة العادية، مانحة الأشياء تصنيفها وخصوصيتها.
حين خرجت في الصباح، ومشيت في شارع الرامبلا، وتوقفت عند الأكشاك التي تبيع التذكارات، ثم أخذتني قدماي إلى السوق الشهير، حيث الخضراوات والفاكهة والأجبان والعصافير واللحوم… ومن هذا السوق الذي يتوسط أشهر شوارع المدينة، سأكتشف أن برشلونة واحدة من جنات التسوق ورياضة المشي والغوص في قلب المدينة القديمة.
عندما جلست إلى أحد المقاهي، ثم توجهت صوب آثار ومباني الفنان والمعماري الإسباني الشهير غاودي، وتحديداً كنيسة (لا ساغرادا فانيليا)، ثم حين طلبت وجبة البائيلا الشهيرة، وحضرت حفلاً في مكان مختبئ في قلب المدينة القديمة، استمتعت فيه بأداء فرقة من الشباب لرقصات الفلامنكو، عندها تعرفت حقاً إلى روح المدينة، ووصلتني شخصيتها الحقيقية، عندها تحول كل شيء إلى تفاصيل خاصة، ذات ثقافة وهوية وتاريخ وشخصية لا تشبه غيرها.. إنها إحالة المعرفة التي لا نمنحها قدرها من الاهتمام، بقدر ما تمنحنا من كنوز عظيمة.
المصدر: البيان