رئيس تحرير صحيفة الإمارات اليوم
حصول دولة الإمارات على المرتبة الأولى عالمياً في كفاءة الأجهزة الحكومية، ليس أمراً عادياً، هو إنجاز ضخم بحجم ضخامة العالم، وأمر أشبه بالمستحيل وفق معطيات هذا الجزء من العالم، لكنه ليس مستحيلاً إطلاقاً وفق معطيات ورؤية دولة الإمارات وقادتها، وحكومتها التي لا تعترف بالمستحيلات، ولا تعرف سوى مواجهة التحديات والتغلب عليها.
قد لا يدرك البعض أن الوصول إلى المركز الأول عالمياً لم يبدأ اليوم، كما لم يبدأ منذ سنة أو سنتين أو حتى عشر سنوات مضت، بل بدأ قبل أن تقوم هذه الدولة، بدأ في خيمة صغيرة جداً، على هضبة رملية، في منطقة صحراوية لا حياة فيها تدعى «سيح السديرة»، اجتمع فيها قائدان تاريخيان، اثنان من أحكم وأشجع وأذكى أبناء الأمة العربية، جلسا في تلك الخيمة مفترشَين التراب، يخططان ويرسمان مستقبل هذه المنطقة بأسرها، وطموحاتهما لا تحدها حدود، ولا تصل إليها العقول!
المغفور لهما الشيخ زايد بن سلطان والشيخ راشد بن سعيد، اتفقا في تلك الخيمة في أواخر الستينات على الوحدة بينهما، وفتح الباب لمن يريد الدخول فيها، كانا واثقين بالنجاح، ويحلمان بحياة عصرية، قبل أن يدرك أهل المنطقة معنى الحياة العصرية، تصافحا وقال الشيخ زايد بن سلطان للشيخ راشد بن سعيد: «اتفاقنا هذا هو حجر الأساس الذي سيشيد عليه البنيان بإذن الله»، قال ذلك وهما يجلسان على التراب في مكان لم يكن فيه بناء واحد، كانا وسط صحراء قاحلة، لكنه، رحمه الله، كان صاحب بصيرة وحكمة ورؤية بعيدة!
على هذا الأساس بنى هذه الدولة، وعلى هذا الأساس يسير صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد، حفظه الله، وعلى هذا الأساس حصلت هذه الدولة اليوم، وبعد 43عاماً تقريباً من هذه المصافحة التاريخية، على المركز الأول في كفاءة الأجهزة الحكومية، والمركز الأول في الترابط الاجتماعي عالمياً.
في تلك الخيمة الصغيرة، لم يقطع مناقشات زايد وراشد وحوارهما التاريخي لمستقبل أجيال الدولة، سوى ذلك الفتى الذي يدخل عليهما حاملاً القهوة لهما، وعند دخوله يسترق السمع، ويتخيل المستقبل الذي يتحدثان عنه، لكنه اليوم تحديداً رأى بعينه ما كان يتخيله وهو بالقرب منهما، رأى ولمس الإنجاز التاريخي الذي كانا يتحدثان عنه، وأسهم هو بجد استمده منهما في تحقيقه.
استرجع صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، حفظه الله، تلك الساعات، واسترجع ذكرياته في تلك الخيمة وهو يقف بين هامتين، يخططان ويرسمان المستقبل، استرجع حديثهما وهو يتلقى خبر فوز الإمارات بالمركز الأول، وأدرك معنى البنيان الذي قصده زايد، في زمن خالٍ من البنيان، فلولاهما لما كانت الدولة، وما كان الاتحاد، وما كانت الحكومة، وما كان الإنجاز!
الإنجاز الذي تحقق لا يستوعبه عقل، فالتحديات كانت عظيمة، والموارد قليلة، والصعوبات متعددة ومعقدة، ومع ذلك كان الطموح عالياً، والرؤية ثاقبة، وهمم الرجال أصلد وأقوى من همم الجبال، والآن تسير الدولة وترتقي وستتجاوز كل الصعوبات والمحن في منطقة متوترة من العالم، بفضل الحكمة والرؤية الواضحة وهمة وعزيمة قادتها وشعبها.
المصدر: الامارات اليوم