اهتمام كبير توليه الإمارات للمسرح إلى جانب الفنون الإبداعية الأخرى، ويتبدى ذلك من خلال المهرجانات والورش التي تقام بشكل سنوي، فهناك مهرجان أيام الشارقة المسرحية الذي يعد من أهم المهرجانات المسرحية، ليس في الإمارات فحسب، ولكن على مستوى الوطن العربي، وهناك المهرجان المدرسي، ومهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي، وعدد من المهرجانات التي تعكس الاهتمام الخاص بالمسرح، ما يعني وجود إرادة حقيقية للنهوض ب «أبو الفنون»، وليس من باب المصادفة ذلك الاهتمام الكبير الذي توليه الإمارات للمسرح، فقد أسهمت فيه عوامل كثيرة ضمن السياق النهضوي، في ازدهار المسرح الإماراتي الذي يقف الآن في واجهة المسارح في الخليج العربي، بحسب تأكيد الكثير من المشتغلين بالفن المسرحي من نقاد وخبراء عرب معروفين.
المسرح الإماراتي صاحب تاريخ كبير منذ تأسيسه الحديث وانطلاقته في منتصف الخمسينات، وظل منذ ذلك التاريخ حافلاً بالتجارب التي شكلت بداياته الحقيقية، ليشهد تطوراً عبر مراحل قدم خلالها الكثير من الإبداعات، ومازال يتطور ويسعى لمواجهة التحديات التي تواجهه، وأبرزها -كما هو حال المسرح العربي- الحاجة لجمهور حقيقي يتابعه، فهناك مشكلة متأصلة في الإقبال على العروض المسرحية، ناهيك عن القضايا والموضوعات التي يطرحها المسرح، من حيث الحاجة للجوء إلى التراث عبر قراءته وعصرنته وتحديثه والتعامل معه بروح جديدة مبتكرة.
استطاعت الحركة الفنية المحلية أن تقدم أفكاراً جديدة، وأن تكون ذات حضور بارز في الخليج العربي، فهي الأكثر حداثة على مستوى المنطقة، والقادرة على جمع كل الخليج في مهرجانات مسرحية في الإمارات، وهي تلعب دوراً محركاً في النهضة المسرحية، واستطاعت أن تسحب البساط من دول ذات شأن في المسرح عبر الدعم السخي خاصة على مستوى إمارة الشارقة، والدعم اللا محدود من قبل صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، فصار المسرح الإماراتي هو الأكبر على مستوى الخليج العربي.
والمسرح الإماراتي كما يؤكد الفنان حميد سمبيج قديم وموجود ومعاصر، واشتغل بشكل مميز على الأوبريت والتجريب والمسرح العام ومسرح الطفل والمسرح المدرسي، وهو مسرح مرغوب في المنطقة ويتطلع إلى جيل جديد من الشباب، وأنه صار اليوم من المسارح المهمة والمرغوبة، لوجود فنانين كبار مثل: أحمد الجسمي، ومحمد العامري، وهو يطور أدواته، وأعماله ليست بعيدة عن العالمية.
وعن التحديات التي يواجهها العمل المسرحي في الإمارات يرى المخرج الرشيد عيسى أن أبرزها يتمثل في الواقع السياسي في المنطقة العربية، والتي من المتوقع أن تلقي بظلالها على كل نشاط إبداعي في المنطقة، وأن معالجاته الفنية ترزح تحت التجريب من التراث، باستثناء تجارب بعض المبدعين مثل: مرعي الحليان وإسماعيل عبدالله، فهما من أكثر المبدعين ملاحقة للتحولات السياسية والاجتماعية العربية، ويشير عيسى إلى افتقاد المسرح الجمهور الحقيقي، ويرى أن حل ذلك يتمثل في مزيد من البذل والعمل المتواصل.
هناك فعلاً مشكلة في استقطاب الجمهور نحو العروض المسرحية، وهو بحسب أكثر من مشتغل في المسرح مطالب بالمزيد نحو الأعمال الضخمة التي تحتاج بدورها إلى دعم كبير، وهو الذي يؤكده الفنان حميد سمبيج الذي يرى أن مقومات النجاح متوافرة، حيث المهرجانات المسرحية في الشارقة وغيرها من المدن وتقدم مسرحاً للصغار والكبار وأن كل الدول في المنطقة تحاكي تجربة المسرح الإماراتي خاصة في الخليج العربي، وذلك يعتبر مصدر فخر ودافع لتقوية الأعمال المسرحية، ويؤكد سمبيج على وجود إرادة للنهوض بالمسرح، مشيراً إلى تبني المسرح المدرسي ووجود دورات لتطويره عربيا كما أن الابتكار في القضايا سينجح في استقطاب الجمهور.
من جهة أخرى، فإن المسرح الإماراتي يتضمن محاولات تحديثية لكنها متعثرة قليلا، وأن هنالك محاولات للخروج من عنق الزجاجة وإيجاد أفق، على النحو الذي تبذله إدارة المسرح في دائرة الثقافة بالشارقة التي انتهجت رؤى جديدة للخروج بالمسرح الإماراتي إلى الجمهور، مثل مسرح خورفكان، الذي يقدم عروضه أمام الجمهور في فضاء تفاعلي مفتوح، وهذه واحدة من محاولات كسر العرض التقليدي، وهناك المسرح الصحراوي، وهو من الاقتراحات الجديدة التي تخص المنطقة، ويتم فيها ربط المسرح بفضاءات جديدة وأسئلة جديدة، خاصة أن المسرح العربي توقف عن طرح الأسئلة وتوقف عن المبادرات، ومن جهة المسرح الإماراتي فقد ظل يرزح تحت أسئلة وعناوين التراث فترة من الزمن لكنه تجاوز ذلك الآن، وهناك ضرورة لخلق حالة جديدة تقطع مع السائد القديم، وهذا يحتاج إلى زمن.
هناك رغبة كبيرة في الارتقاء بالمسرح عبر الاهتمام الكبير الذي توليه الدولة، والمسرح بشكل عام يعاني في كل العالم بسبب التكنولوجيا، وبانشغال الإنسان، وأن هنالك توجهات وتغيرات جديدة في الأفكار، وأن المسرح الإماراتي قادر على النهوض واستيعاب روح العصر والقيام بدور جديد أكثر حداثة، عبر ابتكار القضايا، مشيراً إلى أن الإنسان في ظل العولمة صار كائناً عالمياً، وصغّرت التكنولوجيا من العالم، وأصبح العالم قرية صغيرة، وأن المسرح مطالب بالاستجابة لهذه المتغيرات.
المصدر: الخليج