عمل محرراً في قسم الشؤون المحلية بصحيفة "أخبار الخليج" البحرينية، ثم محرراً في قسم الديسك ومحرراً للشؤون الخارجية مسؤولاً عن التغطيات الخارجية. وأصبح رئيساً لقسم الشؤون المحلية، ثم رئيساً لقسم الشؤون العربية والدولية ثم نائباً لمدير التحرير في صحيفة "الايام" البحرينية، ثم إنتقل للعمل مراسلاً لوكالة الصحافة الفرنسية (أ.ف.ب) كما عمل محرراً في لوموند ديبلوماتيك النشرة العربية.
قبل نحو اسبوعين، اعلن العالم البريطاني الشهير ستيفن هوكينغ مقاطعته لمؤتمر علمي يرعاه الرئيس الاسرائيلي شمعون بيريز في بادرة احتجاج على استمرار الاحتلال الاسرائيلي للأراضي الفلسطينية. لم يعط هذا القرار دعماً من عالم شهير ونافذ مثل هوكينغ فحسب، لكنه جرس مدوٍ يلفت الانتباه الى المعركة الحقيقية المؤلمة التي تواجهها اسرائيل الآن. فالحركة المعروفة باسم “المقاطعة، سحب الاستثمارات وفرض العقوبات” المعروفة اختصارا “بي دي إس” التي تأسست عام 2005 اصبحت الآن تمثل التحدي الحقيقي امام اسرائيل.
لقد علقت صحيفة “ذي غارديان” البريطانية في 13 مايو الماضي على قرار هوكينغ بالقول “ما يصعب الامر على اسرائيل، هو هذا القرار (مقاطعة هوكينغ) يأتي من عالم شهير، فالعلم هو الذي يحرك اقتصادها ونفوذها وقوتها العسكرية” مضيفة “ان قرار هوكينغ يهدد بفتح الابواب لسيل من قرارات مقاطعة مماثلة من علماء يعتبرون اسرائيل دولة منبوذة”.
لقد جاء قرار هوكينغ استجابة لنداء من أكاديميين فلسطينيين، لكن مقاطعة اسرائيل ذهبت الى ما هو أبعد من الاكاديميين لتشمل شركات ومصارف في اوروبا والولايات المتحدة وامريكا الجنوبية وافريقيا. فعلى نحو متزايد، تنضم شركات ومصارف واتحادات نقابية وجامعات الى حملة لمقاطعة اسرائيل التي تقودها حركة “بي دي اس” التي باتت تكسب المزيد من الانتصارات.
وفي خطاب ألقاه في الخامس من يناير الماضي أمام مؤتمر للسفراء الاسرائيليين، قال الرئيس الاسرائيلي شمعون بيريز (الذي يتحمل مسؤولية مجزرة قانا في جنوب لبنان عام 1996)، ان “المقاطعة الاقتصادية اخطر على اسرائيل من التهديدات الأمنية” حسب ما نقلته عنه القناة السابعة الاسرائيلية. وفي 31 من الشهر نفسه، صرح بيريز لصحيفة “غلوبز” الاقتصادية “نحن نعتاش من التصدير ويكفي ان تشيح بوجهها عنا شركة واحدة مثل شركة المياه الهولندية التي ألغت عقدا مع شركة المياه الاسرائيلية (ميكوروت).. الأضرار اليوم اكثر تأثيرا من اضرار الحرب. في قضايا الأمن بإمكاننا ان نطلب مساعدة الولايات المتحدة، لكن في قضايا الاقتصاد لن يستطيعوا مساعدتنا”.
لكن وزير المالية الاسرائيلي يائير ليبد يشرح التأثير المؤلم لحركة المقاطعة بالأرقام. ففي خطاب له امام مركز دراسات الأمن الوطني في جامعة تل ابيب في 29 يناير الماضي، قال ليبد “إن تقديرات الخسائر التي ستحلق بالاقتصاد الاسرائيلي نتيجة المقاطعة ستصل الى 20 بليون شيكل (حوالي 6 مليارات دولار) وان قطاع الصناعة سيخسر حوالي 11 مليار شيكل وان 9800 عامل سيخسرون وظائفهم بشكل فوري مع نهاية العام”.
وكان ليبد قد انتقد في تصريح لصحيفة “يديعوت احرنوت” في 10 يناير قرار الحكومة الاسرائيلية ببناء وحدات استيطانية جديدة مشدداً على “أن كل اسرائيل ستمسه اضرار المقاطعة التي أصبحت تأثيراتها ملموسة اصلاً”.
لكن صيحات الفزع وصلت الى الجانب الآخر من المحيط الاطلنطي. ففي مقال يفيض بالقلق الوجودي نشر في 24 مايو، كتب إم جي روزنبيرغ في صحيفة “هافينغتون بوست” الامريكية ان رئيس وزراء اسرائيلي بنيامين نتنياهو “كرس 25% من خطابه امام اللجنة الامريكية الاسرائيلية للشؤون العامة (آيباك) في مارس الماضي للحديث عن المقاطعة التي وصفها بأنها عداء للسامية”. واضاف روزنبيرغ المفزوع اكثر من قادة اسرائيل، ان “حركة المقاطعة تستهدف تفكيك اسرائيل وليس احتلال 1967”.
إن تصريحات وزير مالية اسرائيل والقادة الاسرائيليين الآخرين كافية لتفسير حالة “الفزع” التي تعيشها اسرائيل تنامي حركة المقاطعة الاقتصادية حول العالم. لكن ما هو جدير بالتوقف هو الطور الجديد من النفاق الاخلاقي الذي تظهره النخب السياسية والحكومات في الغرب حيال حركة سلمية مثل حركة المقاطعة. ففي الوقت الذي سارع نتنياهو وقادة اسرائيليين آخرين للأسطوانة القديمة المشروخة حول “العداء للسامية” لتلطيخ سمعة حركة المقاطعة، فإن بعض الحكومات الغربية وساستها بادروا الى نجدة اسرائيل في هذه المعركة عبر تراث وتقاليد المكارثية.
وحسب مارجوري كوهين وهي أستاذة جامعية في كلية توماس جيفرسون للقانون ورئيس سابق للجمعية الوطنية للمحامين وعضو في مجموعة “يهود من أجل السلام”، فإن “هناك مساع وحملات لتمرير قوانين مضادة للمقاطعة في كل من اسرائيل والولايات المتحدة”. وفي مقال لها في “هافينغتون بوست” نشر في 26 مارس، اشارت كوهين الى “قوانين مناهضة لحركة المقاطعة تم تقديمها في وقت مبكر من هذا العام في كل من ولايتي نيويورك وميرلاند تنص على معاقبة أي جامعة أو مؤسسة تعليمية تنضم للمقاطعة، لكن تم سحبها لاحقاً بعد انتقادات من معلمين واساتذة جامعيين وصفوا القانون بأنه اعتداء على الحرية الأكاديمية”.
واشارت كوهين ايضاً، الى أن مسودة قانون “حماية الحرية الاكاديمية” الذي أحيل لمجلس النواب الامريكي في مارس الماضي، ينص على منع التمويل الحكومي للجامعات التي تؤيد المقاطعة الأكاديمية لإسرائيل. أبعد من هذا، فقد تم تقديم مسودات قوانين في ولايات عدة تعاقب الجامعات اذا قام أي من اعضاء هيئاتها التدريسية بالمشاركة في مؤسسات تلتزم بآراء سياسية تشيد بالمقاطعة. وفي مساع أخرى مناهضة لحركة المقاطعة، فان بعض الجامعات الامريكية طردت الطلاب الناشطين في مجموعة “العدالة في فلسطين” من السكن الجامعي وهددت باتخاذ اجراءات تأديبية أخرى ضد أعضاء آخرين من هذه المجموعة. وحسب كوهين فان هذه الاجراءات والمساعي تبدو “جزءاً من حملة وجهد منسق من الحكومة الاسرائيلية واللوبي الاسرائيلي لوضع قوائم سوداء لكل مجموعة طلابية تتحدى الرواية الرسمية الاسرائيلية”.
أما في فرنسا، وبغض النظر عن احكام اصدرتها محاكم فرنسية قضت بان مقاطعة المنتوجات والسلع الاسرائيلية تأتي في سياق حرية التعبير الي نصت عليها المعاهدة الاوربية لحقوق الانسان، فإن التعميم الصادر من الوزيرة السابقة ميشيل أليو-ماري والذي يقضي بالملاحقة الجنائية لكل دعوات المقاطعة ضد اسرائيل مازال نافذا وسارياً.
لكن الدرس الأهم هو للفلسطينيين والعرب لأن هذه المعركة التي تستنزف اسرائيل وايقظت هستيريا المكارثية لدى حلفاؤها تقودها مجموعة مجتمع مدني من الناشطين والأكاديميين الفلسطينيين الذين دشنوها قبل نحو تسع سنوات. بأسلوبهم المثابر وعملهم الدؤوب، فإن حركة المقاطعة باتت تراكم الانتصارات الصغيرة وها هي النتيجة شاخصة. انهم يذكروننا بتلك السنوات المتوهجة للنضال الفلسطيني في السبعينات والثمانينات وبالدور الطليعي الذي لعبه المثقفون والأكاديميون الفلسطينيون في كسب تعاطف وتأييد العالم للحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني. إن مقاربة حركة المقاطعة تقدم جواباً على مناهج عقيمة تسود الساحة الفلسطينية والتي يجتمع فيها العنف العبثي وضيق الأفق والتي لم تفعل سوى ان خلقت حالة من السلبية طغت على كل فصائل النخبة السياسية الفلسطينية دون استثناء.
مترجماً عن غلف نيوز 2 يونيو 2014