كاتب سعودي؛ كان سفيراً لبلاده في منظمة اليونسكو
حين كتبت مقالتي «الملك – المواطن»، في هذا العمود قبل أكثر من شهر، في رثاء الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز، ختمت مقالتي تلك بعبارة: «رحل الملك المواطن، وجاء الآن دور الملك المثقف، ولهذا حديث مستقل سيأتي لاحقاً». لكنّني قبل تسليم المقال إلى الصحيفة بدقائق حذفت هذه العبارة خشية أن يساء فهم إرجائها «لاحقاً»!
أتخلى اليوم عن التأجيل وأستعيد هذه العبارة من دون تردد، لمناسبة تحوّل الرياض خلال الأسبوع المنصرم وهذا الأسبوع إلى عاصمة العالم السياسي من خلال استقبالها أكثر من ١٥ زعيماً خليجياً وعربياً ودولياً، وإلى عاصمة العرب الثقافية من خلال انشغالها الكبير والحاشد بتظاهرة معرض الرياض الدولي للكتاب.
تعرّف العالم إلى ملوك تجّار وملوك رياضيين وملوك طيارين، لكنه قلّما تعرّف إلى ملكٍ مثقف، لأن الثقافة الحقيقية، لا التجميلية، تحتاج إلى بناء تراكمي قد لا يجد الملك الوقت الكافي لمنحه القراءة المعرفية، والانشغال عنها بإدارة شؤون البلاد. لكني أستحضر في ذهني نموذجين معاصرين للملك المثقف الذي بنى ثقافته وأثراها في سعة من وقته قبل أن يتملّك. الأول: الأمير سلمان بن عبدالعزيز الذي أصبح ملكاً الشهر قبل الماضي. والثاني: الأمير تشارلز، ملك بريطانيا المنتظر!
كثيرة هي الحكايات الثقافية عن الملك سلمان ومعه، ويوشك أن يكون لكل مثقف أو كاتب سعودي معه حكاية لقاء مكتبي أو حديث عابر أو مكالمة هاتفية على الأقل يناقش فيها مضمون مقالته، اتفاقاً أو اختلافاً.
يتكئ المثقف سلمان بن عبدالعزيز على خلفيات قرائية متنوعة، أبرزها الثقافة الدينية التي منحته صفة (المحافظ) الذي لا يقبل العبث بالثوابت، ويزن المتغيرات والقرارات المتعلقة بها بميزان ثقيل ورصين يحمي البلاد من الوقوع في مأزق قد يصعب عليها الفكاك منه.
تلي الثقافة الدينية عنده، أو يتعاضد معها، الثقافة التاريخية الوطنية العارفة بتاريخ الجزيرة العربية العريق وبتفاصيل حكاية الكيان الحديث الذي قام عليها، وهذا هو المضمار الذي تسابق فيه خيول سلمان خيول المؤرخين الوطنيين فتسبقهم، ليس بالمعلومة الصرفة الوافرة عندهم ولكن بمزيج المعلومة والدراية والانتماء عنده، فالمواطن سلمان بن عبدالعزيز هو أكثر مواطن سعودي انتماءً إلى هذا الوطن واعتزازاً به واستطعاماً بتاريخه. فهو إن تغاضَ عن التعليق على مقال أو كتاب في أي شأن فهو لن يفعل في شأن الوطنية.
حين أصدرت كتابي «لا إكراه في الوطنية» عام ٢٠١٣، تعرضتُ لحملة تشكيك في وطنيتي، تزامنتْ مع أعراض تشويهية أخرى حينذاك. لم يقرأ المزايدون كتابي، بل قرأوا عنوانه فقط. بعد ذلك بأيام تلقيت اتصالاً على هاتفي المحمول يبلغني بأن (ولي العهد الأمير) سلمان على الطرف الآخر. قلت في نفسي: قد تكون مكالمة توبيخية، لكن (القارئ الملكي) كان على الهاتف يبلغني بأنه انتهى للتوّ من قراءة كتابي الجديد ويبدي إعجابه به ويشكرني عليه، ثم يختم المكالمة بأن لديه ملاحظات على بعض الفقرات تحتاج إلى نقاش أطول إذا التقينا.
لا أسرد هذه الحكاية كي أتجمّل بها، رغم أنه من حقي ذلك، ولكن كي أقدّم نموذجاً قريب العهد على اهتمام الملك المثقف سلمان بن عبدالعزيز بالكتاب والكتّاب.
المصدر: الحياة
http://alhayat.com/Opinion/Ziad-Aldrees/