شهدت قمة مجموعة العشرين الأخيرة في نيودلهي، إعلان مشروع الممر الاقتصادي العملاق «العابر للقارات» بين الهند وأوروبا عبر منطقة الشرق الأوسط، حيث تلعب دولة الإمارات دوراً محورياً في إنجاز ذلك المشروع الذي يتألف من ممرين؛ هما «الممر الشرقي»، يربط الهند مع الخليج العربي، و«الممر الشمالي» يربط الأخير بأوروبا، عبر خطوط السكك الحديدية، والنقل البحري.
وينطلق المشروع بحراً من الهند إلى الإمارات، ثم براً خلال السعودية، ومنها إلى الأردن، فإسرائيل، عبر خط سكة حديد، ثم المحطة التالية بحراً، وصولاً إلى اليونان، ومنها إلى أوروبا براً. ومن المقرر أن يشمل المشروع كذلك – بحسب صحيفة «فايننشيال تايمز» البريطانية- كابلاً بحرياً جديداً، وبنية تحتية لنقل الطاقة.
كما يحظى المشروع بدعم من الولايات المتحدة، التي تعد راعية «الممر الاقتصادي»، والمستثمر به، فيما لا يشملها الممر، طبقاً للمعلومات التي نشرتها وكالة «أسوشيتد برس».
يُعول على «الممر الاقتصادي» في إحداث تغييرات على خارطة التجارة الدولية، مع تعزيز التنافسية، وإتاحة فرص واعدة للدول المشاركة وعديد من الدول الأخرى، حيث تنعكس الآثار المحتملة للمشروع عليها.
كما يُراهن على المشروع في زيادة الرخاء بين الدول المعنية من خلال زيادة تدفق الطاقة، والاتصالات الرقمية، فضلاً عن المساعدة في معالجة نقص البنية التحتية اللازمة للنمو في الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط، وكذلك إسهامات المشروع في «خفض التوترات في الشرق الأوسط»، طبقاً لنائب مستشار الأمن القومي الأمريكي، جون فاينر.
دور إماراتي مؤثر
وبفضل موقعها ومكانتها على الصعيدين الإقليمي والدولي، تؤدي دولة الإمارات دوراً محورياً في مشروع «الممر الاقتصادي»، لاسيما مع تمتعها بواحدة من أقوى شبكات الربط بالموانئ البحرية، وكذلك الاستثمارات الهائلة التي قامت بضخها على مدى العقود الماضية في قطاع الموانئ العملاقة، بما يُمكنها من خدمة حركة التجارة العالمية، وضمان التدفق السلس للتجارة. في هذا السياق، يصرح أمين عام مجلس الإمارات للمستثمرين بالخارج، جمال بن سيف الجروان، لـ«البيان»، إن مشروع «الممر» يعد فرصة اقتصادية استراتيجية لدولة الإمارات، ذلك أنه من المتوقع أن يغير طبيعة نقل البضائع بين الهند مروراً بالإمارات ومنطقة الشرق الأوسط، وصولاً إلى أوروبا، منوّهاً إلى أن مشروع «الممر الاقتصادي» حتماً سوف يغير نمط العلاقات بين هذه الدول أيضاً.
نجاح إماراتي
على جانب آخر، فإن مشروع الربط الاستراتيجي من خلال «الممر الاقتصادي»، الذي تم إعلانه من الهند خلال القمة الـ18 لرؤساء دول وحكومات مجموعة العشرين في نيودلهي، «يعد تأكيداً لنجاح السياسة الاقتصادية الدولية للإمارات، التي تعزز قوة الدولة الاستراتيجية ونفوذها العالمي». ويضيف الجروان: «حتماً سوف يكون مشروعاً منافساً، تلعب فيه دولة الإمارات (رمانة الميزان) في العلاقات الاقتصادية السياسية العالمية، وهو الدور الذي أجادت الدولة القيام به بكل احترافية»، منوّهاً إلى أن «الولايات المتحدة تحتاج إلى توثيق وتقوية علاقتها مع حلفائها التاريخيين في المنطقة من خلال مشروع الممر المهم، بما يعطي المشروع صبغة عالمية».
كذلك الهند نفسها تحتاج إلى تمرير بضائعها إلى منطقة مهمة هي الشرق الأوسط، وأوروبا، وحتى الولايات المتحدة، وقارة أفريقيا، بما يجعلها قادرة على أن تكون شريكاً مقبولاً بصورة مستدامة في هذه المناطق المهمة من العالم، خاصة أنها تمر من خلال أراضي الإمارات التي تؤدي دوراً مهماً ومحورياً (..)، وفق الجروان، الذي يختتم حديثه بالإشارة إلى أن «الممر الاقتصادي» يشكل صفقة «فائز-فائز»، ما يجعله عملياً قابلاً للتطبيق.ووفق بيانات المركز الاتحادي للتنافسية والإحصاء، نما حجم التبادل التجاري غير النفطي بين الإمارات والهند خلال العامين الماضيين (2020 ــ 2022) بنسبة 84 %، مرتفعاً من 102.5 مليار درهم إلى 188.8 ملياراً العام الماضي. كما بلغ معدل النمو التجاري بين البلدين خلال السنوات العشر الماضية (2013 ــ 2022) ما نسبته 18.2 %، من 159.72 مليار درهم إلى 188.8 ملياراً العام الماضي، لتصل إلى 1.41 تريليون خلال 10 سنوات. وتدعم الولايات المتحدة مشروع «الممر الاقتصادي»، إلى جانب الاتحاد الأوروبي. وقد وصف الرئيس الأمريكي، جو بايدن هذه الخطوة بـ«التاريخية»، من شأنها أن توفر «فرصاً لا نهاية لها للدول المعنية، ما يجعل التجارة وتصدير الطاقة النظيفة أسهل بكثير». واعتبر بايدن أن المشروع «سوف يسهم في جعل الشرق الأوسط أكثر استقراراً وازدهاراً».
ووصفت رئيس المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، هذا الرابط بأنه «سيكون الأكثر مباشرة حتى الآن بين الهند، والخليج العربي، وأوروبا.. إنه جسر أخضر ورقمي عبر القارات والحضارات»، مبيّنة أن «خط السكك الحديدية سيجعل التجارة بين الهند وأوروبا أسرع بنسبة 40 %».
منافسة «إيجابية»
من الناحية السياسية، يعتقد مراقبون بأن مشروع «الممر الاقتصادي» يمثل أهمية خاصة بالنسبة للولايات المتحدة أيضاً في إطار منافستها مع الصين. إذ يعتقد أستاذ السياسة والشؤون الدولية في كلية «وودرو ويلسون» للشؤون العامة والدولية بجامعة «برينستون»، أتول كوهلي، بأن «الممر الاقتصادي» الجديد «لن يضر بالصين»، لكنه سوف يخلق «منافسة» أوسع مع بكين وطريق الحرير.
ويصرح كوهلي، وهو متخصص في الاقتصاد السياسي بالبلدان النامية، لـ«البيان»، إن «الممر الاقتصادي» الرابط بين الهند، وأوروبا، عبر منطقة الشرق الأوسط، المعروف بـ(IMEC)، يشكل أهمية خاصة بالنسبة لبقية دول العالم (ليس فقط بالنسبة للدول الأعضاء في «الممر الاقتصادي»)، بما في ذلك دول منطقة الشرق الأوسط عموماً، وذلك في إشارة للإضافات الإيجابية المنتظرة التي يقدمها المشروع بالنسبة للتجارة العالمية.
أما بالنسبة للشرق الأوسط، فيرى أستاذ السياسة والشؤون الدولية في كلية «وودرو ويلسون»، أن «الممر الاقتصادي»، «أمر جيد جداً» في هذا السياق، (لتأثيراته المرتقبة على خارطة التجارة في المنطقة)، لاسيما مع تعدد المحاور، بما في ذلك طريق الحرير «هذا أمر جيد.. طريقان أفضل من طريق واحد»، بما يعكس تعدد الفرص. ويهدف المشروع إلى تيسير عملية نقل الكهرباء المتجددة، والهيدروجين النظيف، عبر كابلات وخطوط أنابيب، وكذلك إنشاء خطوط للسكك الحديدية. كما يهدف أيضاً إلى تعزيز أمن الطاقة، ودعم جهود تطوير الطاقة النظيفة، إضافة إلى تنمية الاقتصاد الرقمي عبر الربط، والنقل الرقمي للبيانات، من خلال كابلات الألياف البصرية، وتعزيز التبادل التجاري، وزيادة مرور البضائع، من خلال ربط السكك الحديدية والموانئ.
بينما يساعد ممر السكك الحديدية، والشحن البحري والبري، في زيادة التجارة بين البلدان، ومن ذلك منتجات الطاقة، وهو توجه تستثمر فيه دولة الإمارات منذ التأسيس عبر بناء شراكات بناءة تقوم على المصالح المشتركة وتعزيز مشروعات التنمية.
وكان قد تم التوقيع على الاتفاق المبدئي، بين الإمارات، والولايات المتحدة، والسعودية، والاتحاد الأوروبي، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا. فيما لم يتم تحديد جدول زمني بعد بخصوص تفاصيل إنجاز مشروع «الممر الاقتصادي»، وتكلفته الإجمالية وتمويله، إلا أن التقديرات التي نقلتها تقارير إعلامية عن منسق الرئيس الأمريكي للبنية التحتية العالمية وأمن الطاقة، عاموس هوشستين، تشير إلى العام المقبل. فيما تم تحديد 60 يوماً بعد قمة مجموعة العشرين لتشكيل مجموعات عمل مشتركة للوقوف على خطة عمل المشروع.
يأتي ذلك في وقت تتوافر فيه أجزاء من البنية التحتية المطلوبة لإنجاز المشروع، في ضوء جاهزية بعض الدول المشاركة، لاسيما دولة الإمارات، لاستثمارها المبكر في تطوير البنية التحتية للقطاعات كافة، فضلاً عن تبنيها مشروعات واسعة في هذا الصدد.
شراكة استثمارية
من جانبه، يلفت الأكاديمي الأمريكي، أستاذ العلاقات الدولية بكلية «هاميلتون» في نيويورك، آلان كفروني، في تصريح لـ«البيان»، إلى أن «الممر الاقتصادي» ينطلق من أساس «الشراكة من أجل الاستثمار العالمي في البنية التحتية»، من خلال ربط الهند بأوروبا عبر الشرق الأوسط، مشيراً إلى الدور الفاعل لكل من الإمارات، والسعودية، وإسرائيل، (الدول المشاركة في «الممر الاقتصادي» من منطقة الشرق الأوسط)، وبدعم أمريكي، إلى جانب الهند، في هذا المشروع.
ويرى كفروني أن المشروع المشترك للسكك الحديدية والنقل البحري «يعكس منطق تعميق التنافس الجيواقتصادي بين الولايات المتحدة والصين»، وقد وصف الرئيس الأمريكي، جو باين، المشروع بـ«الصفقة الكبيرة».
يشار هنا إلى تصريحات مدير صندوق النقد الدولي، كريستالينا غورغييفا، التي قالت إن «الممر الاقتصادي» ينبغي أن ينخرط في روح الاقتصاد العالمي المتكامل».
فيما يقول مسؤولون أمريكيون إن مشروع «الممر الاقتصادي» يهدف إلى ربط دول الشرق الأوسط عبر السكك الحديدية وربطها بالهند عبر الموانئ، ما يساعد على تدفق صادرات الطاقة والتجارة من منطقة الشرق الأوسط إلى أوروبا، وذلك بتقليص أوقات وتكاليف الشحن واستخدام الوقود.
دول الشرق الأوسط
إلى ذلك، يعزز مشروع «الممر الاقتصادي»، الذي بدأ الإعداد له في يوليو 2022، مكانة دول منطقة الشرق الأوسط المشاركة وعلاقاتها الفاعلة مع الأطراف المختلفة، ويضيف مزيداً من الفرص كممر لوجيستي مؤثر، بالاستفادة من ما يتوافر من إمكانات بتلك الدول.
وطبقاً لمستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك سوليفان، فإن البنية التحتية المتطورة سوف تعزز النمو الاقتصادي، وتساعد على جمع دول الشرق الأوسط معاً، وترسيخ المنطقة مركزاً للنشاط الاقتصادي. وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، قد علق على مشروع «الممر الاقتصادي»، قائلاً: إن بلاده تلعب دوراً محورياً في مشروع دولي غير مسبوق، المشروع الذي من شأنه وضع البنى التحتية التي تربط آسيا بأوروبا، وسوف يحقق هذا الربط رؤية تعود إلى سنين طويلة والتي ستغير وجه الشرق الأوسط.
العساف لـ«البيان »: «الممر» يحقق ارتباطاً أوثق بأوروبا والهند
يقول الخبير الاقتصادي السعودي، سليمان العساف، لـ«البيان»، إن مشروع «الممر الاقتصادي» له أهمية كبيرة بالنسبة للسعودية ودول المبدأ والانتهاء والممر، التي ستكون ممراً لوجيستياً مهماً، بما يسهل ويسرع من عملية التصدير منها وإليها.
ويشير إلى أن مشروع «الممر الاقتصادي» من شأنه أن يجعل من المملكة مقراً عالمياً للوجيستيات والتخزين، ويضيف قيمة اقتصادية بما يفيد القطاعات الأخرى، علاوة على كونه يعزز ارتباطاً أقوى وأوثق سواء بأوروبا وحتى الهند، صاحبة الاقتصاد النامي المهم المتوقع أن يكون ثالث أكبر اقتصاد في العالم بحلول العام 2030.
مصالح مشتركة
وكان ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، قد قال في كلمة له على هامش انعقاد فعاليات منتدى الاستثمار السعودي الهندي، «إن مشروع «الممر الاقتصادي» سوف يحقق المصالح المشتركة لدولنا من خلال تعزيز الترابط الاقتصادي، بما ينعكس إيجاباً على شركائنا من الدول الأخرى والاقتصاد العالمي بصورة عامة». فيما يوضح الخبير الاقتصادي السعودي، أن مشروع «الممر الاقتصادي» من شأنه إضافة طرق بديلة للطرق التقليدية العالمية المعروفة، كما أنه سوف يعزز المكانة العالمية لبلاده.
المصدر: البيان