كاتبة إماراتية
يصله خبر ترقية أحد زملائه فيتفاجأ من سرعة ترقيته ويردد في قرارة نفسه «ما شاء الله كم هو محظوظ بهذا المنصب الجديد الذي يدل على كفاحه واجتهاده، يبدو أن الله بالفعل راض عنه». ولكن هل هو بالفعل محظوظ على الترقية، أم تمكنه من الفرار والنجاة من الظلم؟ هكذا هم بعض البشر يحكمون على ظاهر الأمور بالرغم من أنهم يجهلون السرائر ووقائعها.
فكم من موظف بمنصب مرموق يتجرع مرارة التقييم غير المنصف بالرغم من جهوده وإخلاصه في العمل، وكم موظف يتم تصيد أخطائه الصغيرة ليتوه في بحر الإحباط، وكم موظف يعمل على مشاريع لأول مرة فيشعر من خلالها بالفخر لإتمامها على أكمل وجه، ولكنه لم يحصل على التقدير والثناء بل الانتقادات اللاذعة، وآخر يقوم باجتهاد شخصي بإعداد مقترحات ودراسة تفصيلية لتنظيم مبادرات المؤسسة التي استنزفت منه الكثير من الجهد والوقت، ولكنها ذهبت أدراج الرياح.
لنكن واقعيين قليلاً بحال هؤلاء الموظفين، الذين يعانون من بعض الرؤساء الذين لا يقدرون إخلاصهم وجهودهم المبذولة في العمل، ويحرمونهم من التشجيع والكلمة الطيبة التي أصبحت في بعض المؤسسات باهظة الثمن من الصعب إخراجها. وإن كانت نية التشجيع موجودة فلا بد من الحصول على الموافقة من خلال بعض الاجتماعات السرية.
«دعِ المقادير تجري في أعنّتها ولا تنامنّ إلا خاليَ البالِ، ما بين غمضة عينٍ وانتباهتها يُغيّر الله من حالٍ إلى حال».
فنحن قوم مؤمنون ومتيقنون بأن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً، ولا يضيع تعب الموظف، بل الأجر والجهد محفوظان عند من لا يضيع عنده عمل. ودوام الحال من المحال فنحن نسير في حياتنا في منحنيات، فتارة نكون في القمة وتارة نسقط في القاع هذه هي سنة الله في الدنيا.
وقصة سيدنا أيوب عليه السلام خير مثال فلقد كان صاحب أموال وفيرة وذرية كثيرة، يتقلب في نعم الله، حتى ابتُلِي بأشد أنواع البلاء في جسده وماله وولده، فتاه في بحر الضرّ والمرض والفقر، وأصابه من المحن ما أصابه حتى لم يتبقّ من جسده جزء سليم سوى قلبه. وتخلى عنه الجميع إلا زوجته التي حفظت ودّه دهراً وظلت تخدمه ولا تفارقه إلا من أجل لقمة العيش بخدمة الناس.
وبالرغم من شدة المحن لم يكن من سيدنا أيوب عليه السلام إلا الدعاء والصبر، وبعد أن طالت فترة المعاناة واشتدت عليه المحن دعا الله تعالى بقوله {ربي إني مسّني الضر وأنت أرحم الراحمين}، فاستجاب الله لدعائه وأبدل حاله من حالٍ إلى حال، من قاع الألم والأذى إلى قمة العون والفرج، فأعاد الله امرأته شابة ووُلد له أضعاف ما فقد من ولده عند البلاء، وذلك جزاء صبره في محنته.
لم أَجِد بعد الصبر أجلّ وأعظم من الدعاء، المناصب والألقاب لا تدوم، ولكن تبقى سمعة الإنسان الطيبة، وهذا ما يجب أن نشكر الله عليه دائماً.
المصدر: البيان