مؤسسة ومدير ة دار ورق للنشر في دبي وكاتبة عمود صحفي يومي بجريدة البيان
في واحد من المشاهد التي لا تنسى والتي حفل بها فيلم (زوجة رجل مهم) للراحل أحمد زكي، حيث يجلس الرجل المهم على أحد كراسي المقهى لا أحد بصحبته، فجأة يقتحم طاولته رجل من رواد المقهى، يجابهه بتحدٍ واضح كمن يصفي معه حساباً قديماً، مستغلاً أن الرجل لم يعد مهماً بعد أن أحيل الى التقاعد!
كانت كل كلمة في حوار ذلك المشهد مدروسة وفي مكانها تماماً، ومعبرة عن فكر وتوجهات مرحلة وسياسة كاملة، وكذلك أداء أحمد زكي وسائر لغة جسده، هذا ما يسمى السينما الحقيقية، وما يزيد من احترافية الفيلم قدرة صناعه على طرح إشكالية عربية سياسية واجتماعية في غاية الخطورة سادت وما زالت في كل المراحل والأزمنة التاريخية!
إنها إشكالية المسؤول المهووس بفكرة تضخيم ذاته واستغلال منصبه، فالكل عنده سيئون ويشكلون خطراً على المجتمع، وعلى الدولة أن تعاملهم على أنهم متهمون حتى تثبت براءتهم، إنها كذلك إشكالية ادعاء خدمة المجتمع بارتكاب كل التجاوزات، انطلاقاً من أن المجتمع في حالة حرب مع قوى خفية تجيز لأجهزتها كل التجاوزات على الحريات والحقوق والأفراد، وطبعاً بلا أدنى رحمة ولا أي فرصة لنقاش!
في عقيدة الديكتاتور فإن النقاش لا محل له من الإعراب مع كائن من كان، التهم جاهزة والظلم والتعسف ليس سوى طرق لحماية المجتمع من العملاء والخونة، ولهذا السبب فقد الرجل وظيفته ولم يستمر، لأن المجتمعات لا يمكنها أن تسير طويلاً للأمام في ظل هكذا عقليات ومسؤولين، ففكرة الديكتاتور وإن كانت واحدة من مراحل التاريخ إلا أنها مرحلة تعبر عن خلل لا عن استقرار وعن اعوجاج لا عن استقامة والدليل ما نشهده اليوم في عالمنا العربي من انهيارات ما بعد سقوط الديكتاتوريات الكبرى!
هناك فرق هائل بين الحفاظ على أمن المجتمع ومصالح الناس، وبين الانضباط وإشاعة الظلم وإهدار الكرامة، بين مجتمعات تسعى لسعادة مواطنيها وتحفيز ملكات الابتكار والتفوق لديهم وبين مجتمعات حكمتهم وما زالت بالفساد والفوضى وإهدار الحقوق، نحن نصحو كل يوم لنسابق الزمن كي نصل إلى الأفضل لا لنهرب من المطاردات كما حصل ويحصل في دول مختلفة (اللهم لك الحمد).
المصدر: البيان