كاتب إماراتي
جاء الإعلان الأولي لموازنة الكويت للعام الجديد 2105 – 2016 ليؤكد ما ذهبنا إليه من استنتاجات في مقالة الأسبوع الماضي، والخاصة بالأوضاع الاقتصادية في دول مجلس التعاون الخليجي وأسعار النفط، التي أشرنا من خلالها إلى أن هذه الأوضاع سوف لن تتأثر كثيراً على المدى القريب، بل إن دول المجلس قادرة على امتصاص صدمة انخفاض الأسعار على اعتبار أن تخفيض الإنفاق سيطال بعض البنود غير الأساسية.
وفي بداية الأسبوع، وردت بيانات عن الانتهاء من وضع التصور الخاص بموازنة الكويت للعام الجديد، التي تضمنت تخفيض الإنفاق بنسبة 17% لتصل 60٫8 مليار دولار مقابل 74 ملياراً العام الماضي، على أن يقتصر التخفيض على المصروفات الجارية، كالمهمات الرسمية والمؤتمرات والمكافآت، وهي مصروفات غير ضرورية دون المساس بالرواتب والمصاريف الاستثمارية أو المبالغ المخصصة لمشاريع التنمية، إذ ربما يشكل ذلك جانباً إيجابياً لتقليل أوجه الإنفاق المبالغ فيها، كما سينخفض الاستقطاع الاحتياطي للأجيال ليبلغ 10% المستهدف بدلاً من 25%، الذي نجم في السنوات السابقة عن ارتفاع أسعار النفط.
وفي خطوة إصلاحية مهمة، سيعاد النظر في أساليب الدعم التي تستحوذ على 19% من إجمالي نفقات ميزانية الدولة، أي ما مقداره 14 مليار دولار، إذ أُعلن عن رفع أسعار المحروقات قريباً، وهي خطوة صحيحة لوقف الهدر المترتب على انخفاض الأسعار.
أما سعر النفط الاسترشادي للميزانية، فقد يتراوح بين 50 و60 دولاراً للبرميل، مما يعني تحقيق إيرادات نفطية بقيمة 48 ملياراً مع عجز بقيمة 9 مليارات دولار، علماً بأن الكويت حققت فوائض في السنوات الخمس الماضية تقدر بـ96 مليار دولار، أي أن العجز يشكل 9٫4% فقط من الفوائض المتحققة، ما يعني أن الكويت يمكنها التعامل بسعر منخفض لسنوات عديدة قادمة، مع العلم بأن أسعار النفط ستتذبذب في الأعوام الثلاثة القادمة بسبب عوامل اقتصادية وأمنية وجيو سياسية في منطقة الشرق الأوسط المنتج الرئيسي للنفط في العالم.
ما ينطبق على الكويت ينطبق على معظم دول مجلس التعاون المصدرة للنفط، التي ستتعامل بمرونة مع الانخفاضات الكبيرة في الأسعار، وستتمكن من الاستمرار في استكمال المشاريع التنموية المعتمدة، وستعلن عن مشاريع جديدة وستستفيد من هذه التطورات للتقليل من بعض أوجه الإنفاق غير الضرورية، ولإعادة النظر في الدعم المرهق لموازناتها، وبالتالي القيام بإصلاحات مالية هيكلية هي بحاجة إليها لتقليل الاعتماد على عائدات النفط وتنويع مصادر الدخل.
ويتوقع أن تستفيد البلدان المصدرة للنفط من ارتفاع سعر الدولار الأميركي الذي يسعر به برميل النفط، كما أن تراجع الأسعار قد يؤدي إلى انخفاض أسعار السلع التي ارتفعت في السنوات الماضية، وأوصلت التضخم إلى نسب عالية، مما يصب لصالح المستهلكين ويساهم في ارتفاع نسب الادخار.
أما الأسهم وأسواق المال، فإن ما يحدث فيها يعكس حجم المضاربات والمبالغات الناجمة عن الهلع ونقص التشريعات المنظمة لهذه الأسواق والتي لم تعكس حقيقة الأوضاع الاقتصادية المتنامية والمستقرة في دول مجلس التعاون، وقد تحولت إلى مركز تجاري ومالي عالمي يستقطب الكثير من المستثمرين والشركات الكبرى العاملة، ليس في مجال النفط فحسب، وإنما أيضاً في مجالات أخرى لا تقل أهمية، كالمصارف والمؤسسات المالية والتجارية والإعلام والتقنيات الحديثة والنقل والاتصالات.
بيانات موازنة الكويت الجديدة، وقبلها موازنة دولة الإمارات، وما سيعقبها من موازنات خليجية سيعلن عنها قريباً، تؤكد متانة وقوة الاقتصادات الخليجية رغم انهيار أسعار النفط، وهو ما يدركه قطاع الأعمال ومؤسسات الاستثمار الدولية، التي ما زالت أسواق الخليج تشكل عامل جذب لاستقطابها وتوفير أفضل الخدمات لها.
المصدر: الاتحاد
http://www.alittihad.ae/wajhatdetails.php?id=82666