حينما تتأمل خارطة العنف في عالمنا العربي لابد من السؤال: من أي مخزون حقد وكره وانتقام يتعامل المجرمون مع ضحاياهم من بني جلدتهم؟ من أين تأتي هذه القدرة المخيفة على الإجرام حتى تطال أطفالاً ونساءً ومن هم عند نهاية العمر؟
المجازر التي ترتكب يومياً في أرياف سوريا ومدنها لم تكن من باب «الدفاع عن النفس» ولكنها جرائم خطط لها المجرمون مبكراً وتدربوا على تنفيذها في مدارس متخصصة في الرعب والقتل. والموت العبثي الذي أقام في الجزائر لسنوات، خلال تسعينيات القرن الماضي، كان كالصاعقة وما زلنا حتى اليوم نتساءل من ارتكب تلك المجازر ولماذا؟ والقاعدة لا تزال تسقينا الموت في اليمن وفي أكثر من مكان حول العالم وكأن المنتمين لها يظنون أن بإمكانهم فرض عبثهم بالقوة على الناس.
هؤلاء يسقون الناس الموت العبثي كل ساعة من أجل فرض سلطتهم بالقوة وبالرعب والموت. لم يصدق القذافي أن الليبيين كسروا حاجز الرعب الذي بناه داخلهم وانتفضوا فجأة ضده. وكاد يصدق أن حكم ليبيا حق عائلي يورثه لابنه. ثم رأينا كيف سلَّط آلة الكره والموت ضد ثوار ليبيا حتى انتهى إلى تلك النهاية التي تليق به.
خارطة العنف في العالم العربي لا تقف فقط عند النماذج التي ذكرناها. إنها -للأسف الشديد- تبدو كما لو كانت «ثقافة» ورثناها منذ أيام «داحس والغبراء». فالثأر والجنون بالسلطة وحب الهيمنة كانت -وما زالت- «وصفة سياسية» للبقاء في السلطة حتى لو تطلب الأمر إبادة جماعية وقتل آلاف الأبرياء بدماء باردة. وما لم تُبْنَ مؤسسات حقيقية تقنن علاقات السلطة الحاكمة بالناس وقادرة على ضبط سلوك من في السلطة، وما لم نؤسس دساتيرواضحة تكون الحكم عند أي خلاف، وما لم تكن السلطة «مؤسسة» لا «فرداً»، وإلا فإن الموت العبثي سيبقى سيد المشهد!
نشرت هذه المادة في صحيفة الشرق المطبوعة العدد رقم (١٧٨) صفحة (٣٦) بتاريخ (٣٠-٠٥-٢٠١٢)