كاتب عمود يومي في صحيفة الوطن السعودية
ثلاثة من بين “أربعة” غزوة شرورة هم من خريجي برنامج المناصحة. ما يقرب من ألفي شاب سعودي من بين ما يقال إنهم ثمانية آلاف قاعدي في اليمن. سورية والعراق بدواعشها وجبهات خذلانها ونصرتها تعج أيضا بالآلاف من أبنائنا الذين نكرر معهم ذات التجربة الأفغانية حذو القذة بالقذة.
سيصبح من الكذبة الكبرى ومن خداع أنفسنا ألا نعترف بأن هذه الآلاف هم من ضحايا مدارسنا ومناهجنا ومعلمينا ومنابرنا وأساتذة جامعاتنا وكتابنا ووعاظنا ومخيماتنا المنتشرة بالآلاف تحت عناوين “الظاهر” التي لا نعرف منها إلا هذا الخراج الكبير من “الباطن”.
لا توجد في رؤوس جبالنا غابة، ولا توجد أيضا على أطراف صحاريها واحة مسؤولة عن تخريج هذه الكوادر الإرهابية.
هؤلاء لم يهبطوا على شرورة “بالبراشوت”، ولم يسافروا إلى طالبان وداعش مثل أسراب الجراد أو رحلة طيور النورس بين المواسم. هؤلاء هم خريجو كل ما سكتنا عنه أو لم نستطع مواجهته، هم خريجو الخيمة والمحاضرة والفصل والكتاب، وهم خريجو عنتريات “تويتر” حتى أصبح اختراق العقل السعودي سهلا لمجرد 140 حرفا.
هؤلاء حتى، هم خريجو برنامج المناصحة مثلما هم خريجو كل دورات الحوار الوطني التي تحولت مع الزمن إلى أكياس ورق وقاعات فنادق من النجوم الخمسة.
خذوا هذه المقاربة التي قد يكون لبعض أرقامها أشياء من الدلالة:
تقول بعض الأرقام ـ وأنا لست متأكدا ـ إن هناك ما يقرب من عشرين ألف شاب سعودي يقاتلون اليوم في أرض الله تحت رايات مختلفة. أدهى من ذلك تقول الإحصائية إن المتوسط العمري للشباب السعودي الخارج إلى هذه الحروب يقع في السنة التاسعة عشرة.
هذا يعني بالضبط أن أعمار هؤلاء كانت ما بين الثامنة والعاشرة ليلة أول هجوم إرهابي قاعدي في قلب الرياض، وبعدها العامان الشهيران من الإرهاب والمواجهة.
وكل القصة تكمن في أننا بعد ذلك العام بالتحديد فعلنا كل شيء لمواجهة هذا الفكر التكفيري التفجيري. لم نترك وسيلة ولا كلمة ولا منتدى ولا حوارا إلا أقمناه لمواجهة هذه الظاهرة.
لكننا للأسف الشديد نكتشف اليوم هذه الآلاف من الأرقام الخطيرة التي كانت، أو كانوا، أطفالا، ليلة الهجوم على المحيا، نكتشف للأسف الشديد أن هناك تغذية فكرية أشد وأعتى، بل أكثر عنادا ومقاومة على تفخيخ عقول هؤلاء الشباب في أشرس الظروف التي كنا نعتقد أنهم فيها تحت الحصار والمراقبة. اكتشفنا كل هذا الخراج رغم الوعي المجتمعي ورغم نبذه لهذه الظاهرة. باختصار نحن نحارب المنتج ولكننا لم نقفل المصنع.
المصدر: الوطن أون لاين