عبدالسلام الوايل
عبدالسلام الوايل
كاتب و أكاديمي سعودي

النساء و الملاعب.. خَلُّوهن على القلطة الثانية

آراء

مع انطلاق دورة الرياض الودية الدولية لكرة القدم هذه الأيام، يتصاعد الجدل حول السماح للنساء بدخول الملاعب الرياضية. كالعادة و كلاكيت للمرة الألف، جدل و صخب و نقاش و ممانعات لإشراك النساء في منشط ما، من قيادة المرأة للسيارة إلى العمل في محلات بيع الملابس النسائية إلى…إلى…إلخ. غير أن الجدل هذه المرة ليس حول «مشاركة» النساء، بل حول السماح لهن بـ»الفرجة»!

لم يخلُ الجدل من غموض. فتسري الأخبار مرة أنه سيُسمح للعائلات بحضور مباريات الدورة أعلاه. و ربما بسبب ردة فعل «أهل الغيرة»، جرى تلطيف للإجراء أعلاه بقصر حضور العائلات على العائلات غير السعودية فقط! و نظراً للقدر العالي من اللامعقولية في هذا الإجراء، فقد تم تلطيفه، وتضييق دائرة السماح أيضاً، بقصر السماح على عوائل أعضاء بعثات المنتخبات المشاركة، باستثناء المنتخب السعودي طبعاً!

حالة الارتباك هذه حيال صيغ مشاركة الأنثى، أو تضييق مشاركة الأنثى، زوجها و أخاها و ابنها وأباها متعة مشاهدة نشاط رياضي ما، دفعتني لكتابة هذه المقالة كـ»قطة» مني في محاولة حل الإشكال. أقترح أن نسمح للنساء بدخول الملاعب السعودية. و لكي «يراعي» اقتراحي حساسيات الممانعين الغيورين، فقد حاولت الإتيان بصيغة تجد قبولاً عند الممانعين.

يمكن اختصار هذه الصيغة تحت العنوان التالي: مباريات القلطة الثانية. و تعتمد هذه الصيغة على تراث محلي قديم في تنظيم تناول وجبات الولائم للرجال والنساء. فقديماً، وربما بسبب الجوع و الفاقة و قلة الأكل، كان طعام الولائم يقدَّم بداية للرجال. و تسمى هذه الدورة من الأكل بـ: «القلطة الأوّلة»، أي أن الرجال يقلطون أولاً على الأكل في حالته الأولى، طازجاَ لم تمسسه الأيدي بعد. و بعد تناول الرجال طعام الوليمة، يأتي دور النساء ليقلطن على: «القلطة الثانية». و تختلف الثقافات في تنظيم توزيع الأكل بين الفريقين من النساء والرجال، إذ إن هناك «سلوماً» و عادات تلزم الضيوف بمراعاة حقيقة أن هناك نساء ينتظرن دورهن لتناول الطعام، فتخصص بعض أجزاء الذبائح للنساء لا تمسها يد الرجال حتى وهي معروضة على الصحون أمامهم. و بما أننا نرفض أن نكون جزءاً من هذا العالم، فلا سينما و لا نساء يقدن السيارات ولا عائلات تحضر المباريات، فقد لاحت لي فكرة «استغلال» تراثنا و تطويعه لأجل تنظيم «نوازل» الحياة الحديثة و غواشي الدهر التي ما ننفك نُرمى بها، من قبيل تنظيم الدورات الرياضية و خلافه. سأوظِّف فكرة القلطة الثانية للنساء في تنظيم حضور النساء للنشاطات الرياضية. كيف؟ يمكن للأمر أن يأخذ واحدة من صيغتين:

الصيغة الأولى، حين ننظم دورات، نطلب من كل المنتخبات المشاركة بفريقين، فريق من اللاعبين الراشدين و آخر من الصبية الذين «ما عنهم غطا» لحداثة أسنانهم. لو طبَّقنا هذا المقترح على الدورة الدولية الحالية، فإننا سنطلب من منتخبات الإمارات ونيوزيلندا وترينيداد وتوباغو، بالإضافة إلى منتخبنا، أن يشاركوا بفريقين لكل منتخب. و تنظَّم مباريات الدورة على أساس مزدوج لكل مباراة لمنتخب الراشدين مباراة موازية لمنتخب الصبية. و يكون حضور مباريات الراشدين متاحاً للذكور، فيما تترك مشاهدة مباريات الصبية للنساء. مثلا، مباراتنا مع نيوزيلندا للراشدين، يوازيها مباراة لمنتخبنا من الصبية مع صبية نيوزيلندا، ويكون حضورها مقصوراً على النساء. قوة هذا الاقتراح، أنه يسمح لنا بالقول للعالم إننا جزء منكم و إننا ننتمي للعالم المعاصر، فنحن نسمح للمرأة بمشاهدة كرة القدم مثل بقية أمم الأرض. وفي الوقت نفسه، نراعي حساسيات محافظينا بألاَّ نسمح بوجود مشجعين من الجنسين في ملعب واحد، والعياذ بالله. كذلك، كون اللاعبين من الصبية، فإننا ندرأ الفتنة عن نسائنا، فلا تُفتَن امرأة ما بلاعب أو حكم أو ما شابه ذلك.

الصيغة الثانية، أيضاً حين ننظِّم دورات، ننظمها بنسختين، نسخة رجالية و أخرى نسائية. فنطلب من كل منتخب مدعو أن يشارك بمنتخب رجالي و آخر نسائي. و ننظم الدورة المزدوجة بفصل كامل لنشاطات الرجال عن نشاطات النساء. فمثلاً، مباراة الإمارت و ترينداد تقام بنسختين: واحدة رجالية و أخرى نسائية. المباراة الرجالية، مباراة القلطة الأولى، تقام لمنتخب من الذكور و حُكَّام من الذكور و جماهير من الذكور. بيئة ذكورية خالصة. يقابلها في الوقت نفسه، مباراة نسائية لنفس الدولتين، مباراة القلطة الثانية، لمنتخب من الإناث و حُكَّام من الإناث و حضور نسائي خالص. ميزة هذا الاقتراح أن يتناغم مع طريقة تنظيمنا للحياة الحديثة، حيث لا صوت يعلو فوق صوت العزل بين الذكور والإناث، كما هو الحال في العمل، والتعليم و خلافه. عيب هذا الاقتراح، من ناحية أخرى، أننا لن نتمكَّن من المشاركة في الدورات، على الرغم من أننا المستضيفون لها، فالرياضة النسائية غير مسموح بها في بلادنا، كما هو معلوم. و تشكيل منتخب نسائي سعودي لكرة القدم أِشبه بفكرة التحدث إلى رجل أخضر صغير بعين واحدة قادم من حضارة ذكية تقع في كوكب تابع لمجموعة شمسية غير التي ننتمي لها.

لكن، و كما هو واضح، فإن الصيغتين أعلاه تراعيان حساسيات الممانعين الذين تكره الرئاسة العامة لرعاية الشباب الخروج عن تصوراتهم لكيفية تنظيم الشأن الرياضي. كما أن هاتين الصيغتين تتماهيان مع التصورات الذهنية الشائعة لدينا بضرورة المحافظة على إرسال رسائل دائمة للمرأة بأنها أقل شأناً من أن تشارك «الرجاجيل» نشاطاتهم و متعهم.

أتقدَّم باقتراحي، ذي الصغيتين، للمعنيين بالأمر في الرئاسة العامة لرعاية الشباب لدراسته و الاستعانة به. فمن ناحية، كما ذكرت أعلاه، يستحيل علينا اقتراف التنظيم المعمول به في كل أمم الأرض، أي السماح للمرأة بمشاركة أبيها و أخيها و زوجها و ابنها متعة الحضور للملعب. ومن ناحية أخرى، يصعب علينا تحمّل التكلفة النفسية العالية لعزلتنا عن بقية سكان هذا الكوكب، الذي يبدو وجودنا فيه غريباً. فالرياضة، مثلها مثل العلم و الفن، أحد أكبر التعبيرات الرمزية عن النجاح في العصر الحديث. و مثلما تحرص الأمم على تثبيت نفسها في خارطة الإنتاج العلمي و الفني، تحرص أيضاً على تثبيت نفسها في النشاط الرياضي، عبر حصد الميداليات في المنافسات الأولمبية وفي تنظيم النشاطات الرياضية و في استقطاب الأضواء الدولية. و نحن، و منذ تنظيم كأس العالم للشباب لدينا قبل ربع قرن، لم ننظم نشاطاً رياضياً ذا شأن بسبب أن العالم يريد أن يتآمر علينا عبر موضوع المرأة إياه. و بما أننا نحب أن نقول للعالم إننا جزء منكم و في نفس الوقت نحن في موضوع المرأة لسنا جزءاً من العالم، لابد من اجتراح الصيغة المناسبة، التي أدَّعي أنني توصلت لها عبر صيغة: القلطة الثانية.

المصدر: صحيفة الشرق