النوم من أكبر النعم التي أنعم الله بها على الكائن الحي، وهي عملية تتم دون أن يكون للإنسان دخل فيها، ولا سيطرة له عليها، ففي وقت معين تبدأ قواه في التناقص، وتعتريه حالة من الاستعداد للنوم، ثم لا بد بعد ذلك أن ينام، سواء أكان بالنهار أم بالليل. والنوم هو حالة طبيعية من الاسترخاء، تقل خلاله الحركات الإرادية والشعور بما يحدث، وتغير لحالة الوعي.
والنوم نعمة عظيمة تشهد على قدرة الله، وعظمته ودقة صنعه وإتقانه في خلقه، وهو عالم عجيب مليء بالأسرار والعبر والعظات الجليلة، لذلك اهتم العلماء قديماً وحديثاً به، وسعوا بحثاً عن أسراره، فهو يزود الجسم بحاجته من الراحة، ويمده بالطاقة دون أن يثقل من حركته، ولذلك أطلقوا عليه تعبير «ميزان الجسم»، بمعنى أنه إذا نقص عدد ساعات نومه أصبح قلقاً متوتراً.
يقول الدكتور محمد السقا عيد، عضو جمعية الإعجاز العلمي في القرآن والسنة، النوم نعمة من الله وآية من آياته، ومعيار حقيقة الإنسان وراحته وطاقاته، رحمة الله بعباده لينسوا آلامهم ويريحوا أجسادهم ويجددوا فكرهم فهو ثلث حياتهم وآية لتذكر الموت، ولا شك أنه شيء جميل ولذيذ لا يشعر بقيمته إلا الذين يبيتون الليالي يتقلبون في فراشهم وقد عز عليهم مناله، ولكنه في الوقت نفسه ظاهرة غريبة يحوطها الغموض. والحكمة من النوم، هي كما قال تعالى: (وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً)، «سورة النبأ: الآية 9»، لراحة الأبدان، فإن الأعضاء والجوارح تكلّ من الحركة في الانتشار بالنهار في المعاش، فإذا جاء الليل، سكنت الجوارح فاستراحت فحصل النوم الذي هو راحة البدن والروح معاً، فمن هذا المعنى العظيم لحكمة النوم من اللازم والحتمي والضروري نوم الإنسان ليعاود نشاطه في كدح النهار، وقد اتضح للباحثين من علماء الطبيعة أن النوم أهم للحياة من الطعام والشراب. ويقول د. عبد الحفيظ الحداد الباحث في الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة، ذكر الله سبحانه في القرآن ظاهرة النوم، في معرض الامتنان والبيان، بأن هذه الظاهرة آية من آياته، ودليل على أن النوم ضروري للإنسان، ومنها حصول الضرر لمن يخالف الفطرة التي جبل الله الخلق عليها من التمتع بالنوم، ومنها أن عدم النوم بالمقدار الذي يحتاجه الإنسان منه قد يفضي إلى الهلاك، يقول الطاهر بن عاشور في تفسير «التحرير والتنوير»، في هذا امتنان على الناس بخلق نظام النوم فيهم، لتحصل لهم راحة من أتعاب العمل الذي يكدحون له في نهارهم، وقال الزجاج، السبات أن ينقطع الحي عن الحركة والراحة في بدنه، أي وجعلنا نومكم راحة لكم.
وقد بيّـن الله عز وجل أن النوم جزء من وفاة الأنفس، جعله كالموت، فآية النوم عجيبة ففيها يتوفى الله الإنسان وفاة صغرى «موتة صغرى» يستشعر فيها بتبخر حواسه وخمود حركته، وكأن الروح قد انفصلت عن الجسد، ويبين الله السر العظيم في النوم وهو أنه ينساب وكأنه موجات أو دوامات تخدير غير مرئية، بحيث يتم التدرج من الوعي إلى اللاوعي، فيشعر النائم بغشاوة تغمره بانسيابية تدريجية، ومن دلائل قدرة الله أن تشترك الكائنات الحية جميعها في النوم، فالحيوانات تنام وتصحو كالإنسان، ومن أرحم آيات الله أن الطير ينام على غصنه، ولا يقع على الرغم من أن قبضة الطائر تسترخي كباقي عضلاته حين يغلبه النعاس، كما قال العلماء إن النبات ينام مثل كل كائن حي، وتظهر مشاهد النوم جلية في الأزهار.
المصدر: الاتحاد