مؤسسة ومدير ة دار ورق للنشر في دبي وكاتبة عمود صحفي يومي بجريدة البيان
هل تتذكرون متى رن الهاتف الأرضي في منزلكم آخر مرة؟ بعضكم سيستغرب أن هناك هاتفاً أرضياً أصلاً موصولاً بسلك ومثبتاً بالحائط، وأنه في قديم الزمان كان له قرص مرقم من 1 إلى 9، وأن المتصلين كانوا يديرون القرص خمس دورات ليجيبهم الطرف الآخر، ثم تحول القرص الدوار إلى أزرار، قبل أن يتحول الهاتف إلى لاسلكي يتنقل مع سيدة المنزل على وجه الخصوص من المطبخ إلى غرفة المعيشة، وفي نهاية اليوم يختفي بين حشوات الأرائك دون أن ينتبه أحد لاختفائه!
الهاتف الأرضي بالنسبة لجيلنا وللأجيال اللاحقة كان الضرورة الحتمية التي لا يستغنى عنه، وغالباً ما كانت المكالمات عبره تستغرق ساعات من الزمن، لقد كان بهجة القلوب، ومرسال المودة، وصلة الوصل بين الأهل والأصحاب والأحباب، وكم دارت حوله معارك وتسبب في مشاكل وشكاوى، حتى لجأ البعض إلى وضع قفل على الهاتف ليمنع الأبناء والخدم من استخدام الصفر لإجراء مكالمات دولية، تتحول في فاتورة آخر الشهر إلى كارثة مالية تظل محل جدل لأكثر من شهر داخل المنزل وكل منزل!
لقد كان للهاتف الأرضي سلك طويل جداً يسمح بإدخاله إلى غرف النوم لأغراض السرية! وكان دخول الهاتف إلى غرفة النوم نذير مشكلة كبيرة إذا لمحه الأب، لأن في الأمر ما فيه من خطر عظيم، لذلك كان الهاتف مراقباً داخلياً، وهنا تحضرني حكاية ذات دلالة مهمة حول أغنية (مخاصمني بقاله مدة) للفنانة الراحلة شادية، التي غنتها لعبدالحليم حافظ في فيلم جمعهما معاً، لقد منعت الرقابة في مصر إذاعة هذه الأغنية، بحجة أنها تشجع الشباب على المعاكسات والمغازلات الهاتفية، ما ينتهك حرمة البيوت وقيم المجتمع المحافظ !
ملاحظة: هذه الأغنية من إنتاج عام 1962، وهذا يعطينا مؤشراً ودلالة على حجم التبدلات التي أصابت بنية المجتمع والقيم والعائلة في المجتمع العربي خلال الـ60 عاماً الأخيرة، هذا المجتمع الذي تبدل كل شيء فيه، فتحول من مجتمع يخشى على أخلاقه من أغنية إلى مجتمع يقف في وجه أعاصير تهب عليه من كل ثقب!
المصدر: البيان