كاتبة سعودية
مجددا، الهجوم الإعلامي المصري الأخير من البعض مريب. وهذا الدور الذي يقوم به بعض الإعلاميين لا يناسب لا مصر ولا المصريين ولا العلاقة التاريخية بين البلدين. وإن زعمنا وأسميناها حرية فكرية وإعلامية وذلك قيد السؤال، فلا ننسى أننا نمر بمرحلة عربية حساسة. هذا ونحن لم نقصر ككتاب وإعلاميين سعوديين في جلد أنفسنا ونقد قضايانا الداخلية بشراسة. ولأننا غالبا شعب ينظر لمصر والمصريين بعين المحبة والرضا وروح النكتة المشتركة، فقد حاولت أن أتسلى كالعادة وأسمع أغنية حمادة هلال “هاتوا الفلوس اللي عليكو”، وربما ألتهم الفشار وأتابع فيلم “الواد محروس بتاع الوزير” للكبير عادل إمام، وأنا أقرأ هجوم الصحافي المخضرم محمد حسنين هيكل في حواره مع “السفير” اللبنانية. وهي آراء لا تعدو أن تكون مدفوعة أو رغبوية، ولا تستند إلى أي معطيات منطقية، مهما حاولنا النظر إليها بموضوعية وتجرد.
وقد شعرت للحظة وأنا أقرأ أن هناك كبسولة زمنية تأخذني إلى الماضي مع صوت وشوشة انقطاع البث. لا أكتب لأن ما قاله هيكل أو غيره مهم، فكثير منه استعلاء “كلاسيكي” انتهى زمنه. لكنني أكتب لأنني شعرت ببعض الأسى لما قد تخلفه تراكمات أو استمرار مثل هذا على “روح” العلاقات سياسيا وشعبيا. بل وتداعيات ذلك على الأوضاع المتكهربة في المنطقة. وعلى الرغم من أن العداء الذي يكنه هيكل تجاه السعودية قديم، وليس له أي منصب رسمي، إلا أن البعض اعتقد أن أي هجوم قد يعبر عن وجهة النظر المصرية الرسمية. وذلك على اعتبار هيكل محسوبا على النظام. وقد أتى ذلك بالتزامن ونكتة دعوة نوري المالكي للوصاية الدولية على السعودية. بل وذهب البعض إلى أن الأمر ليس مصادفة في مضمونه ولا توقيته، وأن أي هجوم هو مؤشر على بلوغ التوتر ذروته في العلاقات بين البلدين، أو يلوح بتحالفات جديدة.
على أي حال، مواقف السعودية العميقة والتاريخية مع مصر، خاصة طوال الثورة المصرية حتى الآن شيء لا يمكن التنكر له هكذا من البعض. وما يحدث من مناوشات هو نوع من إذكاء حطب الكراهية والفتنة، وهناك من يصطاد في الماء العكر. السعودية ومصر قطبان لهما ثقلهما في المنطقة. والعلاقات السعودية المصرية تحكمها المصلحة العليا للأمن القومي العربي. إلا أنه لا بد أن تعاد كثير من الحسابات أخذا في الاعتبار معطيات الحاضر، فهذا زمن الخليج في التاريخ العربي المعاصر، وتأثير الخليج في المنطقة العربية أعمق وأكبر من تأثير المنطقة العربية فيه. والسعودية بطبيعة الحال هي مركز الثقل السياسي العربي.
هذا ولا ننسى الجانب الإنساني أيضا بين الشعبين من محبة وإخاء ومصاهرات. وقد وصلني العديد من الإيميلات المؤثرة ردا على مقالي السابق حول مصر، جميعها من مصريين مقيمين في بيتهم السعودية منذ عقود. وبحسب المعلومات التي كشفتها وزارة القوى العاملة والهجرة المصرية أخيرا، فالسعودية تحتضن العدد الأكبر من العمالة المصرية بين دول العالم، بنحو مليون عامل مصري داخلها، ولم توضح الإحصاءات إن كان ذلك يشمل أسرهم أيضا. هذا والعكس أيضا، فهناك مقيمون سعوديون في مصر وأغلبهم مستثمرون. لذا فالعلاقات أعمق وأثمن، وبالتالي مهما اختلفت وجهات النظر بخصوص بعض القضايا، لا يمكن أن يصل الأمر إلى أزمة. ولا ننسى أن السياسات تتغير والسياسيين يتغيرون، ولا تبقى للأسف سوى الحزازات، ولا أتمنى ذلك.
المصدر الاقتصادية