كاتب سعودي
لفت انتباهي أحد المشاركين في لقاء مركز الحوار الوطني الأخير عن «التصنيفات الفكرية وأثرها على الوحدة الوطنية» بقوله إن السعوديين من أقل المجتمعات خلافا وأكثرها تشابها وفي الوقت ذاته نحن قلقون على الوحدة الوطنية، بينما توجد مجتمعات خلافاتها كثيرة بيد أنها لا تقلق على وحدتها الوطنية. هذه العبارة يمكن تحويلها إلى سؤال مهم هو لماذا نحن بالذات نعيش هاجس الخشية على وحدتنا الوطنية من الخلافات الموجودة لدينا؟
لو تأملنا المجتمعات الأخرى لوجدنا أنه رغم وجود ديانات مختلفة وطوائف وأعراق عديدة وتيارات فكرية وثقافية وأحزاب سياسية وتوجهات وقناعات تختلف وتتحاور وتتجادل وقد يصل الخلاف بينها حد المواجهة إلا أنه مهما حدث يبقى الوطن بمنأى عن أي خلاف، والوطنية محصنة من إقحامها في الجدل. يختلفون فيما بينهم لكنهم يلتقون عند الوطن كقيمة مقدسة، ولا ينحدرون إلى اقتراف خطيئة نفي الوطنية عن أحد أو التشكيك فيها لأن لا أحد يجرؤ على ذلك، أخلاقيا وقانونيا، بينما القضية مختلفة لدينا.
الإشكالية لدينا أن الخلافات تلجأ بسهولة إلى التصنيفات كسلاح في المواجهة وبشكل غير منضبط وغالبا دون وعي كاف بمعانيها ودلالاتها، ثم تتحول التصنيفات وبسهولة أيضا إلى وسيلة وذريعة لما هو أخطر، أي ربط التصنيف بضعف الوطنية أو التشكيك فيها أو نفيها أو حتى إلصاق تهمة التآمر على الوطن بمن يتم تصنيفه، وهنا تتحقق خطورة المشكلة ويتضح سبب الشعور بالقلق على الوحدة الوطنية. وإذا كان موضوع الحوار الوطني هو التصنيفات الفكرية فيمكن القول إنه لا توجد لدينا بشكل واضح وبانتشار ملحوظ تيارات فكرية بمعناها ومفهومها المعروف في المجتمعات الأخرى لأن مجتمعنا لم يكن مسيسا ولا مؤدلجا. كل ما في الأمر هو نشوء تيار متشدد في المؤسسة الدينية التقليدية وغير الرسمية غالبا، فرض رؤيته على كل مكونات الحياة في المجتمع وصار صاحب الصوت الأعلى والتأثير الكبير لفترة طويلة، ولم يكن ممكنا نقد خطاب ذلك التيار حتى فترة قريبة سمحت بذلك، وهذا ما أزعج أقطاب التيار وجعلهم يشعرون باهتزاز المكانة والسطوة والتأثير واحتمال فقدان كل المكتسبات الكبيرة التي تحققت. هذا الارتباك جعلهم يستخدمون كل أسلحة الهجوم على أصحاب الخطاب الجديد الناقد لهم، فكان لا بد من اختراع تصنيفات مضادة وإسقاطها عليهم، والإمعان في تشويههم بتكريس صورة سيئة عنهم في ذهنية المجتمع، من ملامحها الخروج على الثوابت الدينية والتغريب والتآمر على الوطن مع الكفار، وما شابه ذلك.
وما عدا ذلك فليس لدينا تصنيفات أخرى ولا تيارات تبارز بعضها على الساحة، وبالتالي فالمشكلة واضحة وحلولها واضحة أيضا، تبدأ في ضبط الطرف الذي تسبب في نشوئها أولا، ثم سن أنظمة وقوانين حازمة تطوي هذا الملف المقلق.
المصدر: عكاظ