محمد خميس
محمد خميس
محمد خميس روائي صدر له من أمريكا رواية لفئة المراهقين بعنوان "مملكة سكابا" ، وله باللغة العربية مسرحية أدبية بعنوان "موعد مع الشمس"

الوهم والخوف والرغبة وتويتر

آراء

ثمة أنواع كثيرة من الخوف، كالخوف من الموت، أو من ركوب الطائرات أو الأماكن المرتفعة بل يوجد خوف حتى من الازدحام. وعلم النفس ما زال يحاول حصر أنواع الخوف، بيد أنه لا يكاد يقترب من نهاية إحصائه للخوف إلا ويظهر نوع جديد. والخوف هو استجابة غير طبيعية تجاه أمرٍ ما، نتيجته قلق واضطراب وضيق يصل أحياناً لدرجة الإغماء أو الاختناق وقد يتوقف قلب المرء من شدة الخوف.

عندما اقتحمت عالم “تويتر” لأول مرة، اعتمدت نفسي كمراقب وقارئ، أشبع فضولي بالاطلاع على الأحداث المحلية والعالمية وقت حدوثها، برغم أني كنت مشتركاً في عدة جهات تقدم خدمة الأخبار الفورية، لكن فضولي الواسع اللامتناهي جعلني أتوق للمعرفة أكثر، لذلك تابعت من اعتقدت أنهم أول العارفين، واكتشفت من خلال متابعتي القصيرة كما اكتشف قبلي الكثير أن في “تويتر” هناك فعلاً من يفوق خدمة الأخبار الفورية معرفة وبثاً للأخبار، فأعجبني الحال.

أخذت أصنف “التويتريين” بحسب تغريداتهم إلى مجموعات، “المجموعة الهدامة” التي لا يعجبها العجب ولا الصوم في رجب، و”المجموعة البناءة” التي تطري على الجميع وإن كانوا أبطال العالم في التفاهة، ولا أنسى ذكر “المستخفين لدمهم” الذين إلى الآن لا يعلمون أنهم “ثقيلي” دم، وأن هناك من سيصيبه الاكتئاب من سخافة نكتهم. وهناك مجموعة “أبوالعريف” الذين يمتلكون الحقيقة المطلقة! وهناك أيضاً “البذيئين” الذين يفتخرون بلغتهم السوقية، ويعتقدون طالما أن الحق معهم أحياناً، فلا بأس بخلطه بالبذاءة، ولا أنسى “الملفقين” الذين يدسون السم في العسل ويتربصون بالبسطاء، كذلك يوجد “المرائين” وهؤلاء يفوقون كل فلاسفة الإغريق والحداثيين فلسفة وحكمة. كما استطعت أن أصنف ومن غير عناء “الرومانسيين” الذين تخرج من مدرستهم قيس وعنترة وروميو، وثمة القليل من “علماء دين” أجلاء. وأخيراً هناك “المدافعين”، وهؤلاء كالمحامين الذين تعينهم المحكمة للدفاع عن المتهمين الذين لا إمكانية لديهم لتوكيل من يدافع عنهم. هؤلاء ينبرون للدفاع عمن يحبونهم بإخلاص منقطع النظير. وباختصار، الجميع يعيش في عالم “تويتر”.

وطبعاً، كغيري رغبت أن يكون لي متابعين برغم أني لم أكن أعلم ما حاجتي إليهم، وكأنه بازدياد من يتابعوني سأصبح قائداً من نوع ما، ولعلي اعتقدت بأني سأحرك الرأي العام بكلمة مني.

ظل المتابعون بعدد أصابع اليد، مدة طويلة، وكنت مقتنعاً بهم حيث أنهم جميعهم بلا استثناء أصدقائي، وبالجانب الآخر كنت أتابع الكثير، لأنهل منهم الأخبار، حتى حان موعد إطلاق روايتي الأولى، ويبارك لي أصدقاء لديهم مئات المتابعين، فإذ بمن يتابعوني يتضاعفون في دقائق معدودة، ويكسرون حاجز أصابع اليد، ويتكاثرون إلى المئات، فاكتسبت في ليلة واحدة، مئتي متابع، ما أثلج صدري وأصابني ببعض الغرور، حيث صرت أقيّم “التويتريين” بعدد المتابعين لهم، وكل من يفوقني عدداً كان يكبر في عينيّ وأكن له الاحترام، ومن أتفوق عليه لا أكلف نفسي عناء قراءة تغريداته.

مضى الحال بسلام، ومن غير أن أدري صرت مدمنا على “تويتر”، وبتّ أتصفحه كل ثانية، ومن بعد ما كنت أنتقد أصدقائي مدمني “تويتر” على إهمالهم وتشتتهم في متابعة ما يجري على أرض الواقع في اجتماعاتنا، انضممت إليهم، حتى إني لم أعد أسمع ما يقال من حولي لاندماجي في “تويتر”.

وفي ظرف أيام، بدأت تغريدات غريبة ترد إلى حسابي، بعضها لا معنى له، وإن كانت في طياتها رسائل غامضة، وحينما أستفسر من مرسليها عن المعنى لا يردون. وأخرى تهدد وتتوعدني إن لم أساندها، طفقت كالمقبور “القذافي” أسألهم: “من أنتم؟”. وما من مجيب. هل هم جماعة تغار من “التويتريين” الذين يتمتعون بمتابعين فوق المئتين، أم هم مجرد غوغائيين يعيثون خراباً في فضاء “تويتر” الجميل.

تغريدات لا تتوقف، وبعد كل مقال أنشره تتزايد، يؤول أصحابها المقالة على حسب فهمهم، مع أني نشرت مقالتين فقط، فما بال من يكتب كل يوم، أي نوع من التغريدات تصله.

دفعني “تويتر” إلى التلفت حولي، وتخيل نفسي على أني أعيش في عالم الجواسيس، والجميع يتربص بي، أبالغ في حماية نفسي، أراقب من خلال مرآة سيارتي إن كان ثمة من يتبعني، تحولت إلى متهم لا أعرف ما تهمتي، وإلى هدف من مجهولين لا أعرفهم، ولا أدري ما يريدونه مني.

عالم “تويتر” مرعب “خوف”، أريد الخروج منه “رغبة”، ولكن عدد من يتابعوني في تزايد.. “تويتر”، فهل أعيش الخوف لأجل المتابعين “وهم”.

خاص لــ (الهتلان بوست)