أدرجت منظمة اليونيسكو المعارف والمهارات المرتبطة بشجرة «أركان» ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للإنسانية. جاء ذلك في إطار الدورة التاسعة للجنة الحكومية لحماية التراث غير المادي التي انعقدت، أخيرا، بمقر المنظمة الأممية بباريس.
ويأتي تسجيل هذا العنصر التراثي ليضاف إلى خمسة عناصر أخرى من التراث الثقافي غير المادي المغربي تم إدراجها سابقا على هذه القائمة مثل «الفضاء الثقافي – جامع الفنا»، و«موسم طان طان»، و«فن صيد الصقور»، و«فن الطبخ المتوسطي – مثال شفشاون»، و«موسم حب الملوك بصفرو».
وتعتبر نساء منطقة الجنوب الغربي للمغرب، حسب بيان لوزارة الثقافة المغربية «حاملات رئيسيات لهذه المعارف الوحيدة من نوعها في العالم والمرتبطة باستغلال (الأركان): قطف الفاكهة وتجفيفها، إزالة اللب، التكسير، الفرز، الطحن، الخلط». وأوضح البيان أن إعداد ملف ترشيح هذا العنصر قد تم من خلال مبادرات المجتمع المدني التي دعمت عمل ومجهود وزارة الثقافة، بينها مؤسسة محمد السادس للبحث وحماية شجرة «أركان»، والجمعية الوطنية للتعاونيات الأركانية، واتحاد تعاونيات النساء الأركانيات، والوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات والأركان، والتعاونية النسائية «أجديك» لاستخلاص وتسويق زيت الأركان، والتعاونية النسائية «أكدال» لإنتاج وتسويق زيت «الأركان»، إضافة إلى عدة نساء أركانيات مستقلات. ويمثل هذا التسجيل «رافعة جديدة لتنمية السياحة الثقافية بالمغرب وترويج ثقافته بكل مكوناتها».
وتعتبر شجرة «أركان»، التي ترتبط بها معارف ومهارات عديدة بحمولة ثقافية، موروثا مغربيا خالصا، إذ إنها تنبت بطريقة طبيعية في المغرب، فقط، في وقت تعمل فيه دول أخرى، مثل إسبانيا وإسرائيل، على استنساخها، عبر زراعتها على أراضيها.
وتلعب شجرة «أركان» دورا أساسيا في حياة نحو ثلاثة ملايين، في مناطق أغادير وتارودانت وتزنيت والصويرة (جنوب غربي المغرب)، بشكل خاص، وهي مناطق معروفة بمناخها شبه الجاف؛ وتشكل غابات «أركان» آخر حاجز أمام التصحر.
ولزيت «أركان»، سواء على المستوى الغذائي أو الطب التقليدي، منافع معروفة بين سكان المنطقة منذ قرون، قبل أن تضيف الأبحاث العلمية منافع أخرى، ترتبط، أساسا، بالصناعات التجميلية. وفي السنوات الأخيرة تزايد الطلب، بشكل لافت، على زيت «أركان» في السوق الوطنية والعالمية.
ودفعت الأهمية المتزايدة لشجرة «أركان» أهل المناطق التي تعرف بها إلى خلق تعاونيات لإنتاج مشتقات الزيوت وتسويقها، مما أدى إلى تحسين مستوى عيش السكان، خاصة النساء. غير أن هذا المعطى ليس مدعاة للتفاؤل، كليا، بالنظر إلى غياب طرق التدبير الجيد، فضلا عن أن استفادة العاملين في التعاونيات تبقى محدودة، فيما ينعكس الجد المبذول على مستوى الإنتاج والتسويق على الوسطاء، بشكل أكبر.
وتعرف «أركان» بأنها شجرة معمّرة يصل عمرها، أحيانا، إلى أكثر من قرنين من الزمن، ويتراوح طولها ما بين 8 و10 أمتار، ولها أوراق صغيرة، كما أن لها قدرة كبيرة على مقاومة الجفاف والصمود في وجه التصحر. وثمار شجرة «أركان» بحجم ثمار الجوز، وهي تتكون من قشرة ليفية خارجية تحيط بنواة صلبة للغاية، لونها بني جذاب وقشرتها ناعمة، وبداخلها لوزة بحجم اللوز العادي. ويحتاج استخراج اللوزة جهدا شاقا. وحين تكسر النواة ترمى القشور الخشبية وتسخّن اللوزة، ثم تطحن برحى يدوية مصنوعة خصيصا لطحن نواة «أركان»، ومن ثم تؤخذ العجينة المطحونة وتُعصر باليد لاستخراج الزيت. ويستعمل هذا الزيت للطهو أو الأكل مباشرة، لا سيما في وجبة الإفطار. ومن خصائصه المذاقية أنه يجمع بين طعمي اللوز والبندق.
وزيت «أركان» أحمر اللون، يميل إلى الأصفر الذهبي. وفي حالات أخرى يستغل زيت «أركان» في التزيين وصناعة بعض المواد التجميلية، حيث يستعمل كمغذ للشعر وفروة الرأس، إذ إنه يعطي الشعر لمعانا وبريقا وملمسا حريريا ناعما، كما تستعمله النسوة اللواتي يعانين مشكلة تساقط الشعر. وبالتالي، دخل في صناعة الشامبوهات والكريمات ذات الماركات العالمية. كما يستعمل هذا الزيت في تدليك العضلات، ومن فوائده الأخرى تنظيف وتزيين الأظافر. وبما أن زيت الأركان يحتوي على مركّبات تحفظ تجانس الخلايا الجلدية، فإن التشققات الجلدية التي تقع عادة للنساء أثناء الحمل على مستوى البطن لا تظهر مع استعمالهن زيت «أركان». ومؤخرا، اكتشف لزيت شجرة «أركان» استعمال جديد في مجال العلاجات الطبية.
وسيواكب إدراج عنصر «الأركان.. معارف ومهارات مرتبطة بشجرة أركان» ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للإنسانية مخطط تنمية الواحات وأشجار «أركان»، والذي يغطي الفترة ما بين 2011 و2020، وأطلق سنة 2011 من قبل وزارة الفلاحة والصيد البحري، بهدف تأهيل 200 ألف هكتار من أشجار «أركان» وتوسيع زراعته بشكل عصري على مساحة خمسة آلاف هكتار، والرفع من إنتاج زيت «أركان» إلى عشرة آلاف طن في السنة في أفق 2020، مقابل أربعة آلاف طن حاليا.
المصدر: مراكش: عبد الكبير الميناوي – الشرق الأوسط