رئيس تحرير صحيفة الإمارات اليوم
عندما يقف المدير التنفيذي لشركة «أمازون»، بكل ثقة وغرور، ليحذر الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، قائلاً: «لو أصررت على مواجهتنا ستخسر في النهاية»، فإن هذا الموقف يجعل نواقيس الخطر تدق، ليس في الولايات المتحدة الأميركية فقط، بل في جميع دول العالم، فإذا كانت «أمازون» لا تهتم ولا تلقي بالاً لأكبر دولة في العالم، ولا لأقوى رئيس في العالم، فكيف ستكون تصرفاتها مع بقية الدول؟!
إنه الخطر المقبل على اقتصادات الدول، وما لم تتحرك دول العالم، وبما فيها دولنا بالتأكيد، لمواجهة هذا الأخطبوط الضخم، فإنها حتماً ستتحول إلى ضحايا، وسيتغول هذا الأخطبوط ليعمل من دون شك على تدمير الاقتصادات، واحتكار الأسواق، والتحكم بكل مفاصل البيع والشراء والحركة الاقتصادية، فتتعاظم أرباحه ويخسر ملايين البشر أعمالهم، وفي نهاية الأمر سيتحكم في مصير الدول، وينتهك سيادتها، عندها لن يتردد المدير التنفيذي لشركة أمازون في إعادة ترديد الجملة ذاتها، التي ألقاها على مسامع ترامب، وعلى كثير من المسؤولين في مختلف دول العالم!
«أمازون» تعدّت كونها شركة لبيع الكتب على الإنترنت، كما بدأت في عام 1995، وتحولت اليوم إلى واحدة من أكثر الشركات العالمية نمواً وتوسعاً وتأثيراً، وهي تنمو في كل شهر لأكثر من 40 و50%، وتعاظمت قدرتها البشرية والمالية حتى انتهى بها المطاف لتصبح «شبه دولة عظمى»، تضم أكثر من نصف مليون موظف، ووصلت قيمتها السوقية إلى ما يفوق 768 مليار دولار، وتحقق دخلاً في ثلاثة أشهر قدره 34.3 مليار دولار!
ولا عجب أبداً أن يقف مديرها التنفيذي متحدياً ترامب، فقد حصل ترامب على 65 مليون صوت ليصبح رئيساً لأكبر دولة في العالم، في حين أن «أمازون» لديها أكثر من 360 مليون زبون حقيقي، بينهم 95 مليوناً من الشخصيات المهمة (Vip)، وجميعهم تسيطر عليهم الشركة من خلال تزويدهم بجميع عمليات البيع والشراء والإعلانات والموسيقى والملابس والمواد الإلكترونية والمأكولات، وحتى حاجيات السوبرماركت، وهؤلاء جميعاً يتعاملون مع «أمازون» مرتين أو أكثر في اليوم الواحد، فمن الرئيس الحقيقي للولايات المتحدة بعد هذه المقارنة؟!
هذه الأرقام الخطيرة جداً، جعلت العديد من الأطراف الدولية المهمة، مثل المفوضية الأوروبية والسلطات الصينية والهندية، تراقب عن كثب التحركات المريبة لهذه الشركة، وترصد التأثيرات المحتملة لكل ما يصدر عن الشركة من قرارات وخطط يمكن أن تكون لها آثار في اقتصادات هذه الدول ومواطنيها، بعد أن أصبحت «أمازون» لاعباً يهز عرش الاقتصاد التقليدي عالمياً، ووصلت عبر رحلتها التي بدأتها بالكتب إلى التخطيط للسفر إلى الفضاء، والتحدث عن مصير كوكب الأرض ومستقبله!
الصين كانت أكثر ذكاء، وأكثر استشعاراً بالخطر، اتفقنا معها في ذلك أم لم نتفق، فهي لم تسمح لـ«غوغل» أو «فيس بوك» أو «أمازون» بالسيطرة على المواطن الصيني، وأنشأت مؤسسات عظيمة منافسة وبقوة مثل «علي بابا»، و«وي شات»، و«باي دو» المنافسة لغوغل، و«رِن رِن» المنافسة لـ«فيس بوك»، لقد نظرت الصين للمستقبل فاستطاعت حماية المعلومات الخاصة بمواطنيها، وكذلك استطاعت حماية الاقتصاد من الاحتلال الأجنبي المقبل على هيئة شركات عملاقة!
بالطبع للصين الحق في الإجراءات التي اتخذتها، فهي لن تنتظر تهديدات «أمازون»، وهكذا يجب أن تفعل بقية الدول، خصوصاً تلك الدول الصغيرة، فإذا كانت «أمازون» لا تخجل من تهديد ولاية واشنطن بشكل مباشر، من «إصدار قوانين لا تعجب الشركة»، فماذا عساها أن تفعل مع دول لا تصل اقتصاداتها إلى نصف اقتصاد ولاية واشنطن!
المصدر: الإمارات اليوم