مؤسسة ومدير ة دار ورق للنشر في دبي وكاتبة عمود صحفي يومي بجريدة البيان
إن تغيير توجهات الفرد، وتحويل خياراته وتفضيلاته في الحياة من شكل إلى شكل آخر، وإقناعه بالقراءة مثلاً، وتعويده على زيارة المتاحف أو دور الأوبرا، وهكذا، ليس أمراً سهلاً كما قد نتخيل، إن تربية الإبداع علم قائم بذاته، وتربية الذائقة لدى الإنسان طريق طويل ومكلف.
وليس بالعمل الذي يمكن إنجازه في غمضة عين، إنه يحتاج لزمن واستعداد واستمرارية وإرادة مجتمعية أيضاً.
في الحقيقة إننا بحاجة في هذا الاتجاه إلى أن يعمل المجتمع والإعلام ومؤسسات عديدة على الاهتمام بالإبداع وتطويره دون تردد أو تشكك، ولعل تطوير علاقة حميمة مع الكتاب والسينمائيين والمفكرين وعناصر المعرفة الأخرى هي أكثر أشكال الاستثمار الإنساني العميق والحقيقي، الذي نحتاجه اليوم أكثر من أي شيء آخر.
كثير من شبابنا توجهوا وبقوة نحو الكتابة والتشكيل والسينما والعمل الإبداعي المستقل وبعيداً عن المؤسسات البيروقراطية، وبدأنا نسمع ونتابع بشغف وحرص بروز أسماء شابة تبشر بمستقبل واعد إذا تم الاشتغال عليها ثقافياً ومعرفياً، نحن هنا لا نستعجل نضوج التجربة ولا قطف الثمرة قبل أوانها، فمعلوم بالضرورة أن الوقت مهم في عملية الإنضاج، لكننا نعتقد أن التجربة لا بد أن ترافقها ثقافة ناقدة بحرص، والنقد الحريص هو ما يتحاشى أمرين: الإغراق في الهجوم والسقوط في فخ المجاملة، النقد الحريص هو ما يرقى بالنتاج الذي يقدم وفق معايير سليمة، لا تقولب التجربة، بل تعطيها حرية رسم مناخاتها ولكن دون انفلات من أطر لا يمكن تجاوزها.
وللأسف فإن كثيرين يغفلون ضرورة النقد إلى درجة أنه أصبح مرفوضاً وغير مقبول، بينما يعتبره آخرون شرطاً يمكن تجاوزه والتغلب عليه عبر ثقافة المظهر أو ثقافة الصورة التي تركز على الشكل الخارجي فقط للكاتب الشاب الأنيق أو الكاتبة الشابة الحلوة، والحقيقة أن هذا يمكن أن يكون صحيحاً مع مذيعة نشرة أحوال الطقس أو فتاة الإعلانات، لكن الكاتب شخص مختلف تكويناً وتأثيراً، وعليه فإن تكوينه القيمي وقراءاته وعمق شخصيته واطلاعه أمور تعمق نظرته وتؤثر في نتاجه، وهي في غاية الأهمية له وللمجتمع.
المصدر: البيان